«زوايا النسيان» لناهد فران.. الخيانات المتعددة

ساره ضاهر

«زوايا النسيان»(*) الرواية الأولى للكاتبة اللبنانيّة ناهد فران، تطرّقت فيها لموضوع ليس بالجديد على صعيد المضمون: الخيانة بصفتها نصًّا داخليًّا شخصيًّا، والمجتمع بما فيه من طبقيّة وحروب وخلفيّات، بصفته نصًّا خارجيًّا عامًّا. أمّا على صعيد الطرح، فقد مرّت خيانة الزوجة كالطّيف، لا أثر لها يُذكَر، سوى بعض الذكريات في بال العاشقة وحسب. وهذا ما يحدث في الواقع غالبًا، بعيدًا عن مبالغات بعض الروايات. المهم هنا، تخطّي البطلة أزمتها، وخروجها من علاقتها سالمة غانمة.
يمكن وصف الثيمة الأساسيّة للنص بالحب الحرام، أو العشق الممنوع، أو الإحساس المتأخّر، أو لذّة الحياة وجمالها، أو… أو… أو…. موضوع نحتاجه، لكننا نخاف منه. نخاف عواقبه، لكننا نحب مضمونه.
تحكي لنا الراوية قصة بطلتها «عبير»، بين زمنين: زمن مضى تسترجع ذكراه، وهي تروي لحبيبها ما عاشته، ساردة كل الأحداث التي مرّت بها والتي أوصلتها للحظة فقدت فيها الشعور بأنها أنثى. وزمن حاضر تمثله أحداث علاقتها بحبيبها الذي شعرت معه بأنها امرأة، يحرّك بلمساته نبضات قلبها، إحساس لم تختبره طيلة حياتها، لتكتشف أنه الحب.
الدين
تدور أحداث هذه الرواية بين مدينتَيْ صور وبيروت اللبنانيّتين، حيث تسكن عائلة عبير. وطلما أنه لا بدّ من تنكيه الرواية، بـ «الطعمة» اللبنانية، من طائفيّة وطبقيّة، تألّفت العائلة من أمّ مسيحيّة تنتمي لعائلة شديدة الثراء، من أغنياء لبنان. ووالد مسلم فقير الحال غني الروح، متعلّم ومثقف. أختاها عليا وعايدة، وأخواها عماد وعيسى.
تسرد عبير أحداث طفولتها، في زمن اندلعت فيه الحروب، التي جرّدت الذاكرة من جماليّتها، فتكشّفت عن النظرة الروائيّة إلى الحرب اللبنانيّة. بداية من اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، لتتدهور أحوال هذه العائلة نتيجة تأزّم الأوضاع الاقتصاديّة. يهاجر أخوها عماد إلى أفريقيا، ويموت هناك على أيدي لصوص أفارقة في منطقة ساحل العاج. حزن يجرّ حزنًا، وتتابع حروب، ومعاناة شعب شهد مجازر أقل ما يُقال فيها أنّها فظيعة «مجزرة صبرا وشاتيلا، مجزرة قانا»، وأحداث أخرى أتت إما نتيجة نزعات طائفية أو مولّدة لها، إضافة إلى نشوء أحزاب جديدة متعارضة، ما زاد من سوء الأوضاع المعيشيّة والحياتية.
الفقر
تطرقت الراوية لواقع نعيشه، لا يتجسّد بالفقر، وإنما في التماسنا أي وسيلة تنتشلنا منه. وهنا تكمن بؤرة السرد. تمّ تزويج عليا من رجل ثري، وافقت عليه تطلّعًا لحياة أفضل من الحياة التي عاشتها مع عائلتها. فاكتشفت أنّ السعادة ليست بالمال، وإن كان ضرورياً لتأمين احتياجات الإنسان.
في حين أنّ عايدة اختارت الحب لترتبط بشخص فقير، لكنّه متعلّم، يضع يده بيدها، ويشقان طريقهما سوياً، فيكوّنان عائلة سعيدة.
أمّا بطلة الرواية عبير، التي درست هندسة الديكور في الجامعة الأميركية في بيروت، بدعم من جدّتها التي وفّرت لها كل ما تحتاجه، والتي لولاها ما حققت حلمها بالدراسة في الجامعة الأميركية. كانت تحلم برجل كامل الأوصاف، رجل لا عيب فيه، له مكانته وله شخصيته التي يفرضها في كل موقع وفي كل حين. هذا الشخص هو نادر الذي يكبرها بعشرين عامًا. نادر رجل الأعمال المتنقل بين البلدان، رجل لم تعِش السعادة في منزله، ولم تختبر الحب على سريره. رجل غيابه أكثر من حضوره، يتحدّث بالمال وعنه، ويجد الحلول كلها من خلاله. لتلجأ البطلة إلى حبّ شاب أصغر منها، وسرعان ما تنتهي علاقتهما، بعد تصوير صراع عاشته البطلة بين عقلها وقلبها. تمكّنت الكاتبة ناهد فران بلغة بسيطة ذات خيال متحرّك ومشوّق، من رسم لوحة جميلة بطلاها عشيقان جمعهما الحب، ذاكرة أدق تفاصيل عالمهما وأيامهما التي قضياها حباً وغراماً، متناسيان عواقبه، وما سيتوالى من ردود فعل إذا علم أحدهم بالأمر. لتختم لوحتها بنهاية فرضها الحبيب، بابتعاده عنها، رافضاً استرجاع ولو لحظة من لحظات حبّهما.
عانت وتألمت لكنها نهضت، ومحت كل ذكرى له، وضعته في زاوية النسيان، يقبع فيها، لتصبح هي الحلم الذي يتمناه، فلا يحصل عليه، ستبقى ذكراها في مخيلته يراها في جسد كل امرأة يقترب منها، ويشمّ رائحتها. أخذت تستجمع كل بؤر المنطق في شخصيتها كي تمنحها القوة، وتتخذ قرارًا لا رجعة فيه بقطع تلك العلاقة.. فتذكّرت وجوه أبنائها لتستمدّ بعض القوة، وتقنع نفسها بأنّ قرارها هو الصواب بعينه. فاقتنعت.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى