سرير بروكرست

- سرير بروكرست - 2025-05-25
- وزير الثقافة المصري والاحتفاء بالقوة الناعمة - 2024-09-12
- اقتربنا من العام.. هل حققت الصهيونية أهدافها في غزة؟ - 2024-09-05
كتبت هنا من قبل عن الأساطير اليونانية وكيف تحمل معاني عابرة للزمان. أذكر أني تحدثت عن أخيل الذي وضعته أمه في النهر المقدس ليكون عصيا على الموت، ونسيت أنها وهي تضعه تمسك بقدميه ومن ثم لم يصل الماء إلى كعبيه، فصار كعب أخيل نقطة ضعف لكل انسان مهما طغى وتجبّر. كذلك عن أنتايوس ابن «جايا» ربة الأرض الذي كان يأخذ قوته منها وحين حمله هرقل عنها تناثر ترابا. كان الحديث في كل مرة بمناسبة ما يحدث في غزة. فلإسرئيل نقطة ضعف ستظهر مهما طال الزمن، وأهل غزة لن يتركوا أرضهم فيتناثروا في الأرض فهم أبناؤها الحقيقيون.
الذين يتركون الأرض الآن هم الصهاينة فهم ليسوا أبناءها. هذه المرة اتحدث عن أسطورة سرير بروكرست. بروكرست قاطع الطريق الذي كان يضع من يمر عليه فوق سريره فإذا وجده أطول من السرير قطع جزءا من ساقيه، وإذا وجده أقل طولا جذب ساقيه فخلعهما من مفصليهما ليكون مناسبا للسرير. صارت أسطورته دليلا على من يستخدم قوته أو سلطته في قهر أصحاب الرأي الآخر الذي قد لا يتفق مع رأيه. ظهرت تجلياتها في كل النظم الديكتاتورية عبر التاريخ.
النظم التي حرقت الكتب أو صادرتها أو سجنت أصحابها، وهو ما رأيناه وعرفناه في نظم كالنازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا أو الشيوعية في الاتحاد السوفييتي أو في مصر بعد يوليو 1952 أو سوريا أو ليبيا أو غيرها من النظم التي انقلبت على الملكيات ذات الأصول التاريخية والعائلية في الحكم بإعلان الجمهوريات. سرير بروكرست الذي يريد الناس جميعا في قالب واحد تحت شعارات مثل الاصطفاف وهو شعار رائج الآن بينما هو جدير بالمسألة الوطنية لا المسائل الاجتماعية والاقتصادية وبالطبع الثقافية.
إسرائيل الخادعة تمثل بروكرست الآن فتبدي أحيانا شيئا من التفاوض وتظل خلال ذلك تقوم بالغارات والإبادة للفلسطينيين. الأمر نفسه لحاكم مثل ترامب الذي يطلب مقدما سعر سرير الولايات المتحدة الخادع، ولا يوقف الأسلحة التي يقدمها إلى إسرائيل أو الابادة المستمرة. بروكرست يلخص حالة القتل الإجرامي المتسلسل الذي قام ويقوم به بعض القتلة مثل ريا وسكينة في مصر أو غيرهما، لكن حين تقوم به نظم حاكمة فتكون أسوأ النهايات لهم أو لبلادهم. أتذكر كيف اكتشفنا نحن الجيل الذي تفتح وعيه على هزيمة 1967 أمر المعتقلات التي امتلأت بالآلاف في سنوات الخمسينيات والستينيات من المفكرين والفنانين والصحفيين من أصحاب الآراء الأخرى. أتذكر السادات الذي أعلن بعد حرب أكتوبر عن فتح نوافذ الديمقراطية وتكوين الأحزاب، لكنه لم يصمد طويلا أمام المعارضة لاتفاقيات كامب ديفيد أو فتحه الأبواب لبيع أصول البلاد في الصناعة بحجة تشجيع القطاع الخاص، وهو الأمر المستمر حتى الآن، فيتم هدمها لإقامة عمارات ومولات حتى أصبحنا، بعد أن كنا ننتج كل شيء، نستورد أكثره فعم الغلاء. أتذكر كيف أعلن السادات أن الديمقراطية لها أنياب وملأ المعتقلات في سبتمبر عام 1981. الحديث طويل والاستمرار فيه مؤلم يكفي ما كان يحدث في سوريا من قتل وإبادة أثناء نظام الأسد وآلاف الصور للقتلى والمشوهين الذي رفضوا أو حتى صمتوا عن النوم في سرير النظام. لا يدرك أحد أن بروكرست انتهى نفس نهاية ضحاياه على يد الشاب ثيسيوس قاتل الوحوش ابن حاكم أثينا، الذي قابله وهو شاب خلال مروره في الطريق فرفض الإذعان له وفعل به ما يفعله في غيره. هكذا أصحاب كل هذه النظم وقد أغلقوا الطريق الديمقراطي فتحوا أبواب عدم الاستقرار وانظروا حولكم.
** المصدر: جريدة”الشرق”