سيرة الناطوري.. مرثية البطل وبُكائيِّة المُخلِّص

 الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -يمكننا أن نتلمس الطريق إلى هذا النص الروائي المعنون بـ “سيرة الناطوري” للكاتب مصطفى البلكي  من خلال  الإهداء؛ ذلك الذي يمثل عتبة شديدة الأهمية تُدل إلى النص/ السيرة، في الصفحة الأولى من الرواية تطالعنا هذه العبارة:

 
“…. بدأتُ رحلتي المُلحة بعد زمن قلت فيه .. ليس أوانه”
فالرواية توقفنا على عتبة رحلة، وهذه الرحلة تُوصف بأنها مُلحَّة؛ إذن نحن أمام تساؤلين هما: ما هي رحلة الناطوري؟ ولماذا كانت مُلحَّة؟
 
الرحلة هي رحلة القص والبحث من خلال الراوي الرئيس/ حفيد الناطوري
 
ويتحمل معه عبء بيان هذه السيرة التي تتقصى سُقوط الناطوري رواة متعددون “سكرة” ثم الجد هاشم والربع والعم سليم؛ ولذلك تُعد هذه الرواية رواية بوليفونية ( متعددة الأصوات)
 
وهي سيرة مُلحة فهذا شيء يخص المخلصون للناطوري.
 
بدأت الرواية باليوم الذي تُقام فيه ذكرى سقوط الناطوري؛ حيث يبدأ بالخبيز وإعداد الطعام للذين سيأكلون ليلا ثم إحضار ” أبو فريج” والشيخ ” سيد” المُقرئ.
وخلال هذا اليوم ( زمن الرواية يوم) ولم تعتمد الزمن الكرونولوجي وهو الزمن المتتابع  التسلسلي؛ وإنما دارتْ أحداث قص السيرة على ألسنة عدة؛ مما أدَّى إلى كسر تراتبية  الزمن ورتابته، وجاءت السيرة  محكيةً عن طريق كل من :
 
* سَكرة “ابنة الناطوري وحاملة وجع سقوطه ورحيله وكل النتائج المترتبة عليه)، وتعبر عن طقوس حزنها واستعادة زمن أبيها “تسحب الشال المبقع بالدم وجلبابه القديم، تبدو في وقفتها وسط العتمة، كأنها جزء من حياة لها من المقومات ما يكفيها على صنع دنيا” الرواية ص 9.
 
*هاشم ( صديق الناطوري ,أكثرهم ولاء له وحزنًا على رحيله، وإن كان موقفه سلبيا، مثله مثل كل أبطال العمل عدا الابنة “سكرة”
 
*الرُبع: شخصية من الذين صاحبوا الناطوري إلا أنه كان عابثًا  صعلوكًا ” زهد حياة البنايات” لم يُلقِ بالا برحيله، وهو شخص خائن، متنكر لفضل الناطوري وعظمته.
 
*سليم: صديق الناطوري المسيحي، أكثر الأصدقاء وفاء له، بعد هاشم.             
وقد قسم الكاتب روايته إلى تسعة فصول تمثل مشاهد مختلفة للسيرة معتمدًا على تقنية المونتاج السينمائية؛ فالفصول مرقمة بالأرقام العددية وأسفل الرقم عنوان يحمل غالبًا اسم شخصية من شخصيات الرواة المتعددين مثل (2) زهيرة / (3)  الجد هاشم/ (4) الربع) (5) العم سليم/  (8) امرأة الحزن ويقصد بها “سكرة” إلا أن الكاتب لم يسّمها، وباقي الفصول موزع بين الفصل (1) اليوم الكابوسي؛ يوم ذكرى سقوط الناطوري، والفصل (6) اليوم المشهود؛ يوم موت الناطوري، والفصل (7) الرجل الشجرة،/ ثم الفصل  الأخير(9) يحمل عنوان “آخر مشهد”
تأتي أجيال جديدة لا يعنيها الناطوري ولا سيرته، ولا يرون فائدة من احتفال بذكرى سقوطه مثل جيهان ابنة سكرة  “مع انتهاء حركتها الأخيرة، والمعتادة أيضًا، يصلني صوت انسحاب مزلاج باب الغرفة المقابلة للقاعة، علامة على خروج جيهان، وهي تلعن الجهل وأيامه، وتتساءل عن اليوم الذي يأتي وتندثر فيه تلك العادة” الرواية  ص 10
إلا أنَّ الكاتب ينتصر للأنثى في روايته ويُثمن دورها؛ مما يذكرنا بدور “فاطمة تعلبة” في رواية الوتد للراحل خيري شلبي؛ فهنا يُعلي البلكي من شأن “سكرة” الابنة الوحيدة للناطوري والتي تقول عن والدها “هو أحرصهم على التقاليد والعرف الذي يحكم به بينهم لكنه لف ودار كثيرًا، عرف أن الأنثى تملك صلابة قد لا يمتلكها فحول الرجال” الرواية ص 17
أختم كلامي بما بدأتْ به الرواية وهي عتبة النص الأولى وهي الغلاف الذي يمثل صورة “خيال المآتة” الذي يخوِّف ويطرد الطيور كي لا تقترب من سنابل القمح، يبدو “خيال المآتة” وقد فقط هيبته المصطنعة، وتخلى عن دوره أو فقد وظيفته التي صنع من أجلها؛ حيث يقف على رأسه طائر علامة على سقوط هيبته أمام الطائر، أيضًا الدوامة التي تدور حوله مما يدل على السيرة التي تعاد مرارًا دون فائدة والوجه المليء بالجروح، كل ذلك يفتح طاقة التأمل في السيرة المحكية عن ذلك البطل الناطوري الذي سقط نجمه وضاع حلمه.
 
 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى