شعر يحتفي بتناقضات الإنسان في همومه وأفراحه

يستخدم الشاعر عبدالرحمن مقلد، عبر قصائد “مساكين يعملون في البحر” خطابا شعريا هادئا رغم ثوريته الجمالية. فهو خطاب لا يحتفي بالجماليات المجانية ولا بالزخرفات الشكلانية، ولكنه يسعى إلى بناء شعرية مواربة متعددة الجماليات، اهتم بالسلاسة التي لا تجافي العمق والغموض المحفز الذي يبتعد عن الإبهام والانغلاق.

ويضم الديوان 18 قصيدة من الشعر الحرّ، من بينها “محمود درويش”، و”فاتن حمامة”، و”مينا دانيال”، و”نور يضيء ويختفي مرثية لوالدي” وغيرها. والديوان هو رهان على الشعر الحقيقي الصافي ومحاورة لسؤال الشعر بتجلياته وأنساقه وإشكالياته الرؤيوية. ويركز الشاعر مقلد في عمله، الصادر عن “الهيئة العامة لقصور الثقافة”، على الصور الكلية المعبرة عن ترابط السياقات وصعوبة اجتزائها بعيدا عن البلاغة التقليدية وفخ المجازات والتصوير المفتعل. فجاء طرحه التشكيلي منسجما مع رؤيته الشعرية في تناغم متزن.

كما يقتنص عبدالرحمن مقلد في هذا الديوان اللحظات والمواقف الشاعرة دون تهويمات تركيبية معقدة ولا إزاحات مربكة، معتمدا على مستويات متعددة للغة. ولم تخل نصوص الديوان من البناء السردي، لكن السرد جاء كجزء من الفضاء الكلي والوحدة البنيوية للنصوص، فلم يكن مزعجا بالسياقات التي تضمنته.

ومن جهة أخرى تبدو الصور الشعرية في مواطن كثيرة ممتدة مركبة، وهي تسعى إلى خلق شعرية مغايرة مرتبطة بالدلالات المتولدة عن التركيب الأسلوبي أكثر من التشكلات البنائية المباشرة.

وفي هذا الديوان يجعل مقلد الإنسان كمحور لموضوعاته الفنية، فهو يتعاطف مع الطبيعة الإنسانية في المطلق، ويحتفي بتناقضات الذات الشاعرة في الخاص والإنسان في المطلق بهمومه وأفراحه واشتباكاته الفكرية والنفسية مع العالم وما تمثله أشكال وتفاصيل الحياة الحديثة من تحديات للذات الإنسانية التي تبحث عن المثالي القيمي بين صراعات الاستهلاكي الكمي.

والقصائد في هذا الديوان لا تعطي نفسها من القراءة الأولى، لكنها تحتاج إلى قارئ نوعي ونشيط يكون جزءا من العمل الإبداعي باشتباكه الجاد مع النص، في محاولة لاستنطاق أبعاده ودلالاته وما يطرحه من بنى جمالية وأسلوبية.

مقلد شاعر مغامر يثق في قصيدته ويحاول أن يرى العالم من زوايا مختلفة، ويحاور الكائنات والأشياء واقفا على رؤية شعرية متجددة، تجمع بين بهاء الأصالة وعمق الحداثة.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى