‘صوت الرأس’ .. التقنية الجديدة في خدمة اللوحة

عبد الواحد مفتاح

إبراهيم بولمينات فنان تشكيلي مغربي درس تاريخ الفن ببلجيكا، حيت أقام معرضه الأول هناك، لينطلق للعرض وتقديم منتوجه الفني في مختلف العواصم الأوروبية، ما أكسبه احتراما من طرف النقاد.

بمناسبة معرضه الأخير الذي أقامه في مدينة الرباط برواق الباب الكبير، وهو أول معرض له في المغرب بعد أكثر من 22 سنة. كان لنا معه هذا الحوار، حول مشروعه الفني وجملة من القضايا المتعلقة بمنجزه، حيث قال:

علاقتي بالفن علاقة وجودية، إن أردت أن أشرح لك بهذا المعنى، هو عملية تختزلني بالكامل، لا على مستوى المسار المهني، أو المعيشي، أو كهواية يركن لها الإنسان للتخفيف والراحة، طوال الوقت أكون داخل مرسمي، حتى في بدايات الشباب عندما كان طموحي الهجرة والاستقرار في أوروبا، كان بغرض أساس الدخول لأكاديمية فنية مرموقة في بلجيكا، حيث المعطيات التعليمية والبيداغوجية في التكوين وطريقة التأطير الإداري والتعليمي أفضل.

أن أتلقى تكوينا تتوفر فيه شروط الجودة كان مطمعي الأساس ما إن وطأت قدماي (بروكسيل)، خاصة أنه في المغرب إلى حدود اليوم لا نتوفر على جامعة فنية.

وأسأله: تشتغل في أفق التجريدية الجديدة في أعمالك، ما مرد ذلك بالنسبة لك؟

فيقول: في نظري، وأحترم طرحك الخاص وقراءتك، لكنني لا أتفق مع مسمى التجريدية الجديدة، دعني أخبرك أنني جبان وحذر إزاء المسميات والمصطلحات المفاهيمية والألقاب، وتلك الكلمات السمينة والضخمة التي يفرح بها البعض مثل نياشين على صدورهم، كل ما أقوم به هو نوع من الزج بين بعض الأساليب والتقنيات، والتجارب الشخصية التي أجد فيها راحتي، أشتغل على غير منوال، لكن تهمني روح الابتكار التي تقدمها لي أي تقنية جديدة أجربها لأول مرة، لهذا أنا دائم التجريب حتى وإن كان لذلك تبعات جد مرهقة، ونتائج غير مضمونة في أحايين كثيرة،

وعن معرضه الأخير، بفضاء الباب الكبير بالرباط، قال: “صوت الرأس” هو بمثابة معرض يأتي كتتمة لسلسلة العمل الذي ابتدأته منذ سنين، وقدمت فيه اقتراحات فنية حول موضوع الإنسان بكل عوالمه الفيزيائية والبسيكولوجية المعقدة منها أو البسيطة، بصفة عامة قد لا أجد مسوغا لأشرح لك بميكانزمات لغوية لما كان هذا الموضوع محط اهتمامي منذ البدء، لكنني متيقن أن سنوات المنفى الاختياري الذي عشته في أوروبا، وتجاربي المخبرية على الألوان والأصباغ، كانت محصلة ما دفعني مباشرة في هذا الاتجاه.

وأضاف: في ظني أن موضوع الإنسان بصفة عامة، وبالرغم من طابعه الكلاسيكي يظل من أعقد المواضيع التي يمكن التطرق إليها، وتقديم البدائل في طرحها فـ “صوت الرأس” هو constatation أكثر مما هو رسالة، ففلسفتي اتجاه هذا النوع من المواضيع تهتم وتتركز بالماهيات أكثر من الرسائل، فهو يكره ويحب يبغض ويعشق، يتفاءل ويتشاءم في نفس الوقت، هذه التيمة ذات طابع كلاسيكي وفلسفي لكنها ذا بعد لا محدود، تطرح فلا يوجد la constations حيت دور الفنان كمفكر وفاعل اجتماعي ليس موكولا دائما للإجابات وتقديم الرسائل الملائمة في كل المواضيع. وبهذا أقول أن معرض “صوت الرأس” هو بمثابة constations أكثر مما هو سؤال و constatations هو في حد ذاته رسالة وشهادة على التاريخ.

ومن وجهة نظر الفنان إبراهيم بولمينات أنه يرجح فرضية التقنية الجديدة في خدمة اللوحة، وإن كنت أقول إن اللوحة الراقية وجماليتها تكتمل بانسجام روح الفكرة وعلاقتها بالتقنية.

وقال: غير أنه في إطار مشروعي أشتغل على الأفكار الأساسية الناظمة له، والتي انوي الخوض فيها، ومن ثم أبحث وأمحص التقنيات والأساليب الكفيلة بإنجازها، فلا يمكنني أن استخدم تقنية لمجرد أنها تبلي بلاءً حسنا.

وعن عودته إلى المغرب قال الفنان: طفولتي وأسرتي ودمي مغربي، العودة والعرض بالمغرب كان مقترحا منذ فترة طويلة، لكنني اخترت أن أنتظر إنجاز العمل الذي تستحقه هذه العودة، وأظنني لم أخطأ الاختيار والتأني، فما طبع المعرض من استقبال مريح في الصحافة الوطنية، أو حتى الكتابات النقدية التي رافقته، بالإضافة لجمهور الزوار الذين فاجئني – صراحة – عددهم، وبدد كثيرا من المخاوف المسبقة التي كانت عندي عن التلقي الفني بالمغرب.

والأمر الجميل أنه بعد 22 سنة خارج المغرب، وفي إطار الاشتغال والتحضير للمعرض، حيت كنت أهيئ بعين السبع (مكان ازديادي وطفولتي بالضبط) وهذا كان في حد ذاته ملهما بالنسبة لي، وخلف عندي جوا حميميا بامتياز، ساعد كثيرا على إبراز المعرض في الحلة التي يستحقها،

وأسأله: ما مدى قدرة اللوحة الفنية على إعطاء الصبغة المحلية لهوية الفنان من جهة والصبغة الإنسانية من جهة أخرى؟

فيقول: الفنان الحقيقي هو الذي يعانق الكوني ويقدم اقتراحات جمالية متخففة من ضيق الهوياتي، والآفاق المحدودة فلو أخدنا مثال: كامل مرحلة التلقي والتحصيل التي يتلقاها الفنان، هو بالنهاية مجبر على تركها والتنازل عنها، لإبداع طقسه الخاص، أي أنه يبدأ يعمل باللاشعور لا من خلال ما اكتسب وبهذا يكون أكثر رقيا ومصداقية وقوة، زيادة على أن السفر والتعرف على ثقافات وجنسيات أخرى عن قرب، تبقى نقطة مهمة وزيادة على رصيده لا يستهان بها.

أما ما يطرحه هذا الفنان فهو مثل السينمائي أو المسرحي أو الفيلسوف، يكفي بطرح إرسالية تختزل مشروعه الجمالي، يقول كلمته ويتركها للمصير الذي سيباغتها، وهناك منها من تلاشت إلى زوال، وهناك من الكلمات من صارت إلى معجزة. إنه قدرها أو قدره.

ويرى الفنان أن التشكيل في المغرب لا يمكن مقارنته بفضاءات فنية أخرى، من حيث إن المغرب يبقى ساحة جديدة، وعمر تجربته قصيرة فنيا، اليوم نشهد فورة فنية وفكرية شابة، تزعزع الأوضاع وتقدم بدائل ومنجزات مهمة، ولا يمكن أن نبخسها حقها، وأعتقد أن هذه الطاقات الجديدة لها القدرة على الإدهاش وتقديم المثير، لا يلزمها كثير وقت وأنا على يقين أن بعض فاعليها سيلمع اسمهم في الساحة الإفريقية والعالمية.

( ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى