«طرق مراوغة»… عن التهجير والإقصاء والأحلام الضائعة

ياسر سلطان

يستضيف مركز «الصورة المعاصرة» في القاهرة معرضاً لفنانين من جنسيات مختلفة تحت عنوان «طرق مراوغة». يضم المعرض أعمالاً للفيديو والفوتوغرافيا والتجهيزات المتعددة الوسائط. مثل «طرق مراوغة» الفصل الثالث من المشروع الممتد الذي يتبناه مركز الصورة المعاصرة تحت عنوان «لو لم يكن هذا الجدار»، والمعني بأنماط العزل والحبس والإقصاء. المشروع الذي يستوحي عنوانه من أشعار أمل دنقل كان قد تم تقديم الفصل الأول منه قبل عام تقريباً تحت عنوان «تحية لمن سألوا عني»؛ وهو عن التجارب المتعددة للحبس، وعرض الثاني لاحقاً تحت عنوان «مزمن» عن الأمراض النفسية وعلاقتها بفكرة العزل. ويتطرق هذا الفصل من المشروع وفق البيان المصاحب له إلى «قيود الحركة التي تفرضها سياسات الهجرة وإدارة الحدود، بالإضافة إلى الترحيل والتهجير القسري في المنطقة العربية والإفريقية».
في هذا السياق قدمت الفنانة الفلسطينية ميرنا باميا – تعيش وتعمل في رام الله – عملها تحت عنوان «هذه أرضنا الملغمة» وهو عمل يمزج بين الفيديو والصوت. في هذا العمل جمعت باميا مجموعة من الفيديوات المصورة بكاميرا الهاتف المحمول لحشد من اللاجئين الفلسطينيين وهم يعبرون الحدود الفاصلة بين سورية وهضبة الجولان المحتلة. تم تصوير هذه اللقطات في أيار (مايو) عام 2011 في الذكرى الثالثة والستين للنكبة.
يشكل هذا الحدث المحاولة الأكثر جدية التي خاضها اللاجئون الفلسطينيون لممارسة حق العودة إلى أرضهم التي طردوا منها. خلال العرض الذي يستغرق حوالى الدقيقتين يقتحم المشهد حشد من الأشخاص يشكلون معاً خطاً متحركاً من طرف الشاشة إلى طرفها الآخر مصحوباً بأصوات الهتاف الحماسية. يركز الفيديو على حركة الأفراد والجموع في سبيلها لاختراق الأرض الملغمة على خلفية بيضاء وحيادية، حيث أزيل ما يشكل الأرض وتم الاكتفاء بصور عابري الحدود.
يفرد العرض مساحة لتلك اللحظة الحاسمة في حياة هؤلاء الأفراد وهم يتحدون مخاوفهم. نستطيع أن نلمح من خلال الفيديو مشاعر التحدي والخوف؛ وحتى القلق من المجهول عبر إيماءات وحركات الأفراد المنحدرين من أعلى الشاشة متجهين إلى الأسفل من دون أن نشهد خاتمة لهذا التدفق البشري. ماريا يوريو، وروفائيل كومو؛ فنانان يعملان ويعيشان في مدينة برلين، وتتناول أعمالهم الأخيرة في جانب منها طرق الحركة بين جنوب وشمال شواطئ البحر الأبيض المتوسط. شارك الثنائي في المعرض بعملين (فوتوغرافيا وفيديو) الأول عنوانه «ملحق: أرشيف مكرم»، وهو توثيق بصري قام به الجغرافي مكرم منضوج من خلال بحثه في قرية «صيادة» التونسية.
يشير العمل إلى مجريات التحول العمراني الذي صاحب وقائع الهجرة في هذه الــقرية الســاحلية الصغيرة، عبر صور فوتوغرافية لبيوت تم تشييدها على الطرز الحديثة وأخرى طور الإنشاء، وشوارع خالية من المارة، وحوائط تحمل عبارات أشبه بالشوق إلى أماكن ومدن وأسماء شوارع بعينها على الشاطئ الآخر. تحمل الصور تساؤلات مبطنة حول الفروق الاجتـــماعية والثقــافية والاقتصادية بين مجتمعات الهجرة والنزوح والاستقرار؛ أسبابها المفترضة ودوافعها القهرية، وهو المشهد المتواري خلف الصور.
أما العمل الآخر، فعنوانه «المترجم»؛ وهو تفريغ صوتي لمحادثة بين اثنين من المهربين خاضا معاً تجربة الهجرة إلى إيطاليا. يتضمن الفيديو زيارات للأماكن نفسها التي زارها المهربان أثناء رحلة الهجرة التي خاضاها في نهاية التسعينات. عنوان العمل (المترجم) يشير إلى لجوء صناعه إلى وسيط يقوم بالأداء الصوتي بدلاً من الشخصيتين الحقيقيتين اللذين خشيا الملاحقة. فعبور البحر إلى الجانب الآخر هو أمر محفوف بالأخطار دائماً وهي أخطار ليست متعلقة في معظمها بالرحلة ذاتها؛ بل بالقوانين الصارمة التي تفرضها الدول على عمليات الهجرة غير الشرعية للأفراد والجماعات. «حيوات ممكنة ومتخيلة»، عنوان عمل مشترك لياسمين الصباغ وروزين كيري، وهما تعيشان وتعملان بين مدن عدة. العمل هو تجهيز متعدد الوسائط (فيديو- فوتوغرافيا- صوت) عن قصة أربعة نساء من فلسطين ولبنان تم تهجيرهن قسراً.
يعتمد السرد المصوَّر على وقائع حقيقية وذكريات متشابكة للنساء الأربعة، لا تخلو من الخيال؛ وهو مصحوب بعرض منفصل من طريق (بروجكتور) لمجموعة من الصور العائلية القديمة بالأبيض والأسود. لا يقدم العمل تأكيداً بالربط بين الصور والوقائع التي يتم سردها؛ غير أنه يقترب على نحو ما من مشاعر الأسى والحنين.
وقدَّم الثنائي لينا عطالله ومحمد عــبدالجواد «هوامــش على الهجرة»، وهو عــمل تجـــهيز فيديو, يخوض تجربة اختزال عمل آخر شاركا في صناعته، وهو فيلم تسجيلي عن طرق الـهجرة من ســواحل مصر الشمالية إلى أوروبا.
يعرض العمل لمشاهد غير مترابطة من الفيلم تسلط الضوء على مضمونه الأصلي بعيداً من محتواه التسجيلي على نحو يفرض التفكير والتمعن في فعل الهجرة كسلوك مقاوم لإجراءات العزل داخل المجتمعات المهمشة.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى