عبيد الله وأبو عودة يتناولان الشاعر المعري في ندوة بمؤسسة مؤمنون بلا حدود

خاص (الجسرة)
بريهان الترك
نظمت مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” للدراسات والأبحاث بالشراكة مع مركز شرفات للدراسات وبحوث العولمة ندوة بعنوان “أبو العلاء المعري.. العمى والبصيرة وجدل الثنائيات” تحدث بها أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة فيلادلفيا د. محمد عبيد الله، وتيسير أبو عودة، وأدارها د. شهلا العجيلي.
في بداية الندوة لفت عبيد الله أشار إلى أن أبا العلاء هو “ظاهرة ثقافية متجددة؛ تدعو إلى العقل، وتعوّل على دور النقد، وتؤمن بالنقل والرواية، وتقدم صورة رفيعة لإمكانيات اللغة العربية ومحتواها الثقافي النادر”، وشيخ المعرة عقلاني مؤمن من نوع فريد، صدّق بالنتيجة الكلية، ولكنه لم يطمئن بالطرق الموصوفة إليها.
وأشار إلى الطاقة التي كان يتمتع بها المعرّي قائلا “طاقة ثقافية وفكرية وأدبية كبرى في الثقافة العربية، تجاوزت الكتب والبحوث التي تناولته آلاف الكتب والبحوث والمقالات، وتعدّدت طبقات قرائه واتجاهاتهم وتخصّصاتهم، وهذا اختبار لجدّية آثاره وعمقها، ومؤشّر على بعض ما تتضمّنه من نقاط القوّة والعمق، وما تستدعيه من القراءة والتأويل”، مشيرا إلى التشكيل الفريد في حالة قابلة لتعدد القراءات، لأن الثقافة دوما بحاجة إلى من يجدّدها، ويثير سكونها.
وأكد على ابتعاد المعري عن الحكام والأمراء، وكان موقفه حاسما في أن يضرب عن سياسة عصره، وهو يرى انحطاطه السياسي، ولكنه مع هذا الإضراب، لم يعف السياسة من نقده، فانتقد الحكام، ووجه لهم سهامه. واضطر في بعض الأحيان على كره منه إلى المداراة وإلى شيء من “التقية” السياسية واضطر إلى مقابلة بعضهم، كما في مواجهته للأمير صالح بن مرداس وردّه عن المعرة.. وكذلك مراسلاته في أواخر حياته مع داعي الدعاة الفاطمي الذي كان عقلا ولسانا للدولة الفاطمية. في هذه المواقف نجد المعري وهو يعاني الحرج ويتكرّه أو يتحرّج من هذه اللقاءات ويحاول أن يجد سبيلا للنفاذ منهاـ والتخلص من إكراهاتها بطريقة علائية متميزة.
من جهته نوه د. تيسير أبو عودة إلى الانتباه لفعل الكتابة والمحو ومجاز العمى والبصيرة إذا أردنا أن نتعقب إشارات أبي العلاء وفلسفته وأفكاره والتراكم الابيستومولوجي للمعنى الغائب أو المؤجل كما يسميه ديريدا، بعيدا عن المغالطات المؤدلجة أو الاختزال المسبق. وما يزيد المهمة صعوبة المهمة التأويلة التي نحن بصدد التصدي لها ما ذكر في شرح التبريزي أن جل تصانيف المعري التي تربو على 200 مجلد قد عدم أكثرها وسلم منها ما خرج عن المعرة قبل استباحتها.
ورأى أبو عودة أن المعري الشاعر والفيلسوف من أكثر شخصيات الفكر الإنساني تأثيرا وتناقضا ومفارقة، في شعره ونثره وفكره، فنحن أمام إرث كوني عظيم متراكم من متون شعرية ونثرية ظلت رهينة التأويل والتكفير والمحو والاختزال والتسطيح عبر قرون متعاقبة، بين فريق تلقف المعري كنص مغلق تحكمه أدوات الفقيه والحاكم بأمر الدولة المتدينة والدين السياسي.
أبو عودة يؤكد إلى أن هناك من يرى المعري في صورة “الزنديق المهرطق في سياق تفسيره للثنائيات الكونية: كالوجود والعدم والنفس والإيمان والنشور والشك والعقل، كما بدا الأمر جليا وملتبسا في لزومياته ورسائل الغفران وسقط الزند، وبين فريق آخر يرى في مشروعه الشعري والفلسفي نموذجا هيرمونيطيقيا مستقلا لا يخضع لحراس النقد التقليديين ولا التأويلات المسطحة”، لافتا إلى أن البعض يراه محملا بنصوص طباقية مرتحلة حسب مفهوم المفكر إدوارد سعيد، يستحيل تأويلها بعيدا عن سياقها الزمكاني والوجودي والثيولوجي والعقلي، ولا يمكن لنا فهمها أو التشابك معها دون معرفة أسرارها الفيلولوجية والبلاغية والفلسفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى