فن الفوتوغراف رسالة ثقافية أقوى من الكلمات

حققت “جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي” رقما ضخما في عدد المشاركات في دورة هذا العام والبالغ “ربع مليون صورة مشاركة” منذ تأسيس الجائزة بمعنى مجاوز لتلك القيمة الرقمية وصولا إلى القيمة الثقافية التي حققتها الجائزة في منطقة الخليج والمنطقة العربية والعالمية في آن واحد.
إرث ضخم

عن استراتيجيات التعامل مع هذا الأرث البصري الضخم، الذي أصبح يتضاعف عاما بعد عام وحول مآل تلك الصور التي تتوافر عليها الجائزة، يقول علي خليفة بن ثالث أمين عام الجائزة إن أمانة الجائزة تضع مفردات مثل “الثقافة” وتوسيع انتشار “المعرفة” البصرية في منطقتنا العربية، كأولوية يمكن من خلالها أن تتحقق هوامش أخرى ليست أقل أهمية بل هي جوهر تلك المفردات، كتوسيع دائرة اشتغال قسم الأرشفة في الجائزة ليصبح مركزاً بصرياً يمكنه أن يشكل إضافة بالنسبة إلى المصورين من حيث العود بالنفع عليهم من الناحية الفنية والثقافية.

وهنا يجب التأكيد -كما يقول علي بن ثالث- على أن الجائزة لا تمتلك حقوق تلك الصور، وملكيتها تقتصر على حق النشر والتداول الإعلامي فقط، والإسهام في التعريف بالمصور وتوسيع مساحة الانتشار لأعماله المشاركة في الجائزة دون مقابل.

كان ذلك التصريح على هامش الحفل الذي احتضنه مسرح “أوبرا دبي”، حيث أسدل الستار على الدورة السادسة لـ”جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي” مؤخرا، التي اتخذت “التحدي” عنوانا لاشتغالات فريقها وثيمتها الرئيسة أيضاً لهذا العام، محققة حضوراً فوتوغرافياً واسعاً، بمشاركة أكثر من ربع مليون صورة مشارِكة منذ تأسيس الجائزة، إلى جانب استقطاب محور “ملف مصور” لوحده هذا العام 33.950 صورة.

فعلى أنغام “سيمفونية الضوء” التي قدمها الموسيقار العالمي هيوز دي كورسون، وبحضور كبار الشخصيات من المثقفين وأهل الفكر والفن والدبلوماسيين والمعنيين بثقافة الفنون البصرية عربياً وعالمياً، قام الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بتكريم الفائزين في المسابقة، حيث توج الفوتوغرافي الأميركي أراش ياغميان بالجائزة الكبرى في محور “التحدي” عن صورته “راقصة الباليه في مكب النفايات” التي مثلت فتاة تبحث عن الأشياء القابلة لإعادة التدوير في مكب النفايات في منطقة جوهاتي الهندية، فيما حصد الإيطالي جوليو مونتيني المركز الأول عن صورته التي وسمها بـ”فراشة في الماء” وحكايتها كتبت لكن من خلال لحظة الضوء لسباح إيطالي مبتور الكفين متشح بالوشوم خلال بطولة السباحة الإيطالية للمعاقين.

أما جائزة المركز الثاني فقد حازها الفوتوغرافي الفلسطيني عادل المصري عن صورته التي عنونها بـ «العلم هو السلاح الأقوى» والتي جسد من خلالها معاناة الأطفال الفلسطينيين وما تفرضه طبيعة الحياة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، فالأطفال هناك بحسب تعبيره يجبرون على اختيار أمر من إثنين عندما يكبرون، إما الانضمام إلى جماعة مسلحة وإما التركيز على التعليم الذي سيكون نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً، ليكون المركز الثالث من نصيب الفوتوغرافي الكويتي محمد خورشيد عن صورة “صراع البقاء”، صورة كان قد التقطها في جمهورية المجر ذات شتاء وهي لنسرين من ذوات الذيل الأبيض في معركة تفرضها قسوة الظروف التي تعيشها تلك الطيور في هذا الفصل، لتذهب جائزة المركز الرابع أيضاً للكويت عن طريق الفوتوغرافي محمد يوسف عن صورته “أكبر سريعاً” التي كانت تترجم قسوة الحرب ومعاناة الأطفال السوريين في المخيمات التي تسرد حكاية البؤس والعذابات التي يعيشونها.

فالطفلة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة بعد، فجأة وجدت نفسها طوال النهار مسؤولة عن أخ لم يتجاوز عمره الأشهر، كان أهلها قد ذهبوا لطلب الرزق من هنا وهناك، يقول الفوتوغرافي محمد “هي صورة أتذكرها جيداً… ورغم أنني كنت من بين فريق للإغاثة نحاول جاهدين أن نقدم ما يمكن تقديمه لمساعدتهم، إلا أنني لم أكن لأجد قيمة لما قدمناه لهم، فأصبحت عاجزاً عن وصف جبروت تلك الطفلة التي هي بالنسبة إلي أكبر من كل شيء في هذا العالم”.
وقد اختُتم مسار التكريم في هذا المحور بالجائزة الخامسة التي ذهبت للفوتوغرافي الروسي أنطون يونيتسن عن صورته “ملائكة العيادة” التي هي عبارة عن رسم لملامح الوقت الذي يمر ببطء في عيادة السرطان للأطفال في نوسيبيرسك في روسيا.
تكريمات ودورة جديدة

من جانب آخر كرّم الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، الفائزين بالجائزة الخاصة، حيث نال لقب الجائزة التقديرية المصور الأميركيّ إيليوت إروت، الذي شَغَلَ منصب رئيس وكالة “ماغنوم” لثلاث دورات، ولا يزال حتى اليوم من أبرز أعضائها ورموزها. ألَّف حتى الآن أكثر من 30 كتاباً في التصوير الفوتوغرافي، وقد انتشرت كُتُبه ومقالاته وأعماله الفوتوغرافية والإعلانية في المطبوعات ووسائل الإعلام المختلفة على مدى 40 عاما.

أما جائزة البحث/ التقرير الفوتوغرافيّ المميّز فقد مُنِحت لمؤسسة “بيت الزبير” من سلطنة عُمان، وهي مؤسسة ثقافية بدأت بمتحفٍ خاص عام 1998. تدير المؤسسة متحف بيت الزبير ومشروعاتٍ أخرى متعلِّقة بالثقافة والفنون والآداب وخدمة المجتمع والنشر. وقطاع التصوير على رأس اهتمامات المؤسسة إيماناً منها بحيوية هذا القطاع الإبداعيّ ورغبةً في تعزيز الإمكانات الفنية للمهتمين به من مختلف الشرائح والفئات، بجانب الاهتمام الشخصي من محمد الزبير، مؤسِّس البيت.

ومن أبرز إنجازات المؤسسة إصداراتها الثقافية والفنية، التي كان للتصوير الضوئي النصيب الأكبر فيها من خلال إصدار كتبٍ مصوَّرة ذات قيمةٍ بصريةٍ ومعرفيةٍ وفنيةٍ كبرى، إذ أصدرت المؤسَّسة أكثر من عشرة كتبٍ قيِّمة من المستوى المرجعيّ، نجحت في تقديم سلطنة عُمان في الماضي وربطها بصرياً بالحاضر بأسلوبٍ يمزج بين الاحترافية والبساطة، ومن ذلك الكتب التالية: “عُمان بلادي الجميلة”، “مناظر من ظفار”، “جبال وأودية عُمان”، “نافذة على عُمان”.

من جانب آخر أعلن الأمين العام لجائزة “حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي” علي خليفة بن ثالث خلال مؤتمر عقد مؤخرا، أن ثيمة “اللحظة” – The Moment ستكون محور الدورة السابعة للمسابقة في عامها 2017 – 2018، كما كَشَفَ بن ثالث عن مشروعٍ إنسانيّ سنويّ قادم للجائزة تحت عنوان “لك” ستُعلن تفاصيله قريباً.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى