في رام الله «رمانة»… لا هي مطعم ولا مقهى ولا مركز ثقافي!

الجسرة الثقافية الالكترونية
بديعة زيدان
«ليست مطعماً أو مقهى، بل هي مبادرة شبابية بشكل أو بآخر، اتخذت من منزل يفوق عمره القرن في البلدة القديمة لمدينة رام الله وتعرف باسم رام الله التحتا مقراً». هكذا بدأ رائد حموري التعريف بـ»رمانة»، وهو أحد القائمين على المشروع والمبادرين إليه.
في «رمانة»، ذلك البيت القديم، تعيش بالفعل كأنك في قرن خلا. فالحجارة التي تحكي حكايات لا تنتهي امتزجت بروحية الديكور والأثاث القديم، وطريقة تشكيل المكتبة، وحتى الكراسي والطاولات، وكذلك «العلّية»، أي الطبقة العلوية بجلستها الأرضية، تجعلك تشعر كأنك تركب بساط الريح إلى زمن مضى على وقع موسيقى عربية هادئة.
وأشار حموري، وهو يعمل في إحدى المؤسسات الأجنبية في مدينة رام الله، إلى أن الفكرة تقوم على مكافحة النمط الاستهلاكي السائد في فلسطين، من خلال التوجه إلى أماكن «غير مريحة»، بل ودفع أموال مقابل قضاء وقت هو من ناحية عملية «ضائع» أو «بلا جدوى»، ومن جهة أخرى هي رسالة لكل شاب عاطل من العمل، بعدم الاستسلام لواقع صعب، والتفكير في مشاريع غير مكلفة، كما هو «رمانة».
وفكرة «رمانة» تقوم على كون البيت القديم مساحة للإنتاج، ومساحة للحرية من دون التعرض لحريات الآخرين. فهناك من يأتي للقراءة أو الكتابة، أو حتى لتقديم معزوفات موسيقية للموجودين، أو حتى قراءة الشعر جهراً، أو حتى لمجرد الاستراحة من ضغوط الحياة. وليس المكان في الوقت ذاته مركزاً ثقافياً يقدم نوعاً محدداً من الفنون، بل «ملتقى» بشكل أو بآخر يقدم القهوة والشاي، ومأكولات فلسطينية «فلاحيّة»، أي ريفية، مثل «القلاية» و»العجة» و»المفركة»، وغيرها، ويصنعها المناوب من الشبان الثلاثة، أو حتى من رواد المكان، إن رغبوا. وبعد تسديد النفقات من إيجار وبدل ساعات عمل، سيذهب ريع الكافتيريا للتبرع, فالمشروع ليس ربحياً كما يؤكد حموري، لأن القائمين عليه لديهم وظائفهم. ولهذا ربما قرر فريق «رمانة» حجز مقعد جامعي سنوي في جامعة بيرزيت باسم المشروع لطالب متميز وغير قادر لأسباب مالية على دفع أقساط دراسته.
«رمانة» هو بمثابة مساحة حرة لكل من أراد، من دون التعرض لحريات الآخرين، فلا كحوليات، ولا «نراجيل»، ولا صخب، ولا لعب ورق أو زهر، ولا أي شيء خلافي. فالعاملون فيه متطوعون وليسوا موظفين، وزواره رواد وليسوا زبائن، وكل ما يهم القائمين على «رمانة» تغطية نفقات تلك الفسحة فحسب.
واللافت أن كل محتويات «رمانة» الداخلية هي من صنع القائمين على المشروع وأصدقائهم من غير المحترفين بغالبيتهم. فالطاولات المزينة بسيراميك تشتهر به فلسطين، جاءت نتيجة إعادة تدوير لخشب ملقى جانباً قرب المناجر أو في غيرها من الأماكن، والأمر ينطبق على الحديد وتكحيل الحجر وغير ذلك. حتى المكتبة فهي كما محتوياتها من تبرعات الرواد، لدرجة أن البعض يرى في «رمانة» مكتبة بمعنى مغاير، أي أنها لا تفرض قيود المكتبة العامة التي لا يمكن فيها الحديث، أو ارتشاف فنجان قهوة، أو سماع الموسيقى، فيما يراه آخرون مساحة لعرض الفنون وتلقيها بالمجان، فالعديد من الفرق الفنية الشبابية بات «رمانة» مساحة لها تقدم فيه إبداعاتها للحاضرين، إن رغبوا، أو مكاناً للنقاش والعصف الذهني بشتى أنواعه.
عمر المبادرة أقل من شهر، وكانت مغامرة، وفق حموري، الذي شدد على أنها بدأت تحقق نجاحات ملموسة. فالرواد يأتون من مختلف الأعمار، والشرائح المجتمعية، والخلفيات الأكاديمية، ومن يأتي يواظب على زيارة «رمانة». بل إن «رمانة» مساحة عامة أيضاً، بخاصة في غير أوقات الذروة، لاستضافة تدريبات لفرق فنية متنوعة، بحيث لا يكون مساحة للاستهلاك بل للإنتاج.
ولفت حموري إلى أنه، وخلال الفترة القريبة القادمة، سيطلق «رمانة» كملتقى، وهو التوصيف الأقرب لواقعه لأنه سيحتضن منتديات تتعلق بالثقافة والفنون، أبرزها نادي القراءة، ونادي السينما، ومشروع استضافة مبدع عربي عبر «سكايب»، بخاصة مع تعذر زيارة الكثير منهم فلسطين. إضافة إلى ذلك هناك عمل على إعادة إحياء «الحكواتي» التقليدي بقالب جديد، وتحديد قضايا بعينها في وقت معين لخوض نقاشات فيها، ويشرف عليها نقاد وإعلاميون وفنانون متخصصون في هذه المجالات، وبعضها جاء بمبادرات من هؤلاء.
ويحلم حموري وزملاؤه بأن يكون لـ «رمانة» موقع داخل كل مدينة وبلدة وقرية فلسطينية، بل وأن يكون لـ«رمانة» تواجد في عواصم عربية عدة، كملتقى يكافح ثقافة الاستهلاك، ويعزز ثقة الشباب بقدراتهم.
المصدر: الحياة