قصص قصيرة – السيد الزرقاني

الجسرة – خاص

امتحان

 

كان القلق هو المسيطر علي حالة هؤلاء التلاميذ في حجرة الامتحان حيث بدي السكون والعبث علي الوجوه ، هنا أوراق الإجابات قد وزعت عليهم الكل يتسارع الي كتابة البيانات علي غلاف الإجابة ، البعض انتهي والبعض مازال يبحث في مكنون ذاكرته علي حروف اسمه أو يتحسس موضع القلم في حظر بالغ ،الملاحظ الأول كان معلم للحساب كان صارما في حديثه إلي التلاميذ وتبدوا علامات الشدة في حركات يديه يحاول ان يفرض هيبته علي ألأولاد من اللحظة الأولي لدخوله اللجنة ، قام بتوزيع ورقة الأسئلة عليهم وطالبهم بالتركيز فيما جاء بها في صمت ، الملاحظة الثانية معلمة الدراسات الاجتماعية تحاول أن تبحث لها عن مكان تجلس فيه يبدو عليها الإرهاق من السهر في الليل او التعب مما تقوم به في المنزل قبل حضورها إلي المدرسة ترتدي بلوزة بيضا خفيفة تظهر تفاصيل حمالة الصدر وبعض التفاصيل الأخرى ، فبرغم حداثة أعمار التلاميذ في المرحلة الابتدائية إلا أن ذالك لم يمنعهم من تفحص جسدها ، الولد ينظر إليها ويكبر بداخلها عشرون عاما أخري فوق عمره يخرج من نطاق الأسئلة الصعبة ويبحث عن أسئلة أخري وإجابات أخري في جسد معلمته ، تنهض من موضعها وتحاول المرور بين تلك المقاعد الضيقة إلي تجاور بعضها في فصل ضيق ، تطلق العنان الي ذالك الطفل ذو البشرة البيضاء والشعر الأسود الناعم تحاول أن تتذكر تفاصيل وجهه ربما تتأمل تلك الملامح في وجه مر عليها من قبل ربما في امتحان سابق كان هي الاخري حديثة العهد ، وكان معلمها يتفحصها أيضا ربما لان ملامح البلوغ الجسدي قد بدي عليها مبكرا دون الأخريات من قريناتها ، تحاول إن تبعد تلك النظرة الآخذة التي تركت أثرا في نفسها في يوم من الأيام حين حاولت تنهض من مكانها وامسك معلمها يدها بشدة دون أن يتحدث إليها بشيء ،الوقت يمر البعض منهمك في تفادي الأسئلة الصعبة بالامتحان والبعض الأخر يمني نفسه باجتياز تلك الموانع الامتحانية بسلام ، مازالت المعلمة تحاول إن تجتاز تلك المشاهد التي مازالت عالقة في ذاكرتها منذ دخولها المدرسة حتى اليوم رغم أنها صارت معلمة هي الاخري ولها أطفال صغار في مراحل التعليم المختلفة ، الوقت يمر التلميذ الصامت يكشر عن أنيابه معلنا انتصاره علي ذالك السؤال الذي احتل أذهان الكثير من أقرانه يبتسم في صمت يطرق بيديه تلك الورقات الرقيقة في كراسة الإجابة معلنا التحدي لأي سؤال أخر ، يرسل صيحة إلي الزملاء فيتأهب البعض،الكل ينظر إليه في حيرة ويحاول أن يقتنص منه أي إشارة لأجابه أو حتى نظرة تشجيع منه ،المعلم يتحرك ذهابا وإيابا يحاول أن يشغل ذالك الوقت الممل في تلك النظرات التي يرسلها هنا وهناك ليشعر الآخرون بأننا في امتحان الا انه يغمض العين عن ذالك الطالب الذي لا يعرف حتي القراءة والكتابة ويحاول ان يرسم تلك الكلمات التي دونها صديقه الجالس أمامه فهو يمتلك تلك المهارة ومتمرس عليها طوال السنوات الماضية ويعرف كيف يتصرف في هذا الأمر

احتياج

كانت تجلس خلف الشجرة باكية حظها ،ناعية عمرها الذي ولي مع الوقت سجين اطرحات الأهل والعشيرة ،هذا قدرك ،هذا نصيبك من الدنيا امنحيه سعادة أبدية ومتعة جسدية ، قطفت من رحيق الورد زهرتان ،عاشت تمد السيقان للريح العاتية ، تسابق الوهن ، جاء منادي الموت ، ليقطع الحبل السري ،جلست ألان تناطح طواحين الحزن مكحلة العينين ، مسحوبة جبهتها ، يأتيها الليل ليسحق أنوثتها الوردية ، يبعث في مكامنها الحلم الورد من جديد،تقفز من فرشتها يلتهمها الخوف منه ،تجري خلف ظلها المنقاد إلي مجهول ألازمنه ،تعانق روحها الظلام ، وتقطر عينيها بعض من قطرات الدموع لتغسلها وتأتي بها إلي محرابها ، تمسك زهراتي العمر وتنام ناظرة فجر جديد لم تكن”هناء” سوي تلك المرأة المطحونة الباكية الشاردة في خيالات الوحدة بعد وفاة زوجها في ظروف غامضة حيت سمعت والده يرد علي الهاتف “بلاش يجي هنا يروح علي المقابر علي طول ” لم تكن تصدق إن من يتحدثون عنه بكل بساطة هو زوجها الذي خرج في الصباح يبحث عن رزقه في بكوره اليوم ، الم شديد يعتصرها حينما تتذكر هذا اليوم المرير الذي عايشته في محنه الفراق الأبدي وهي مازالت تحلم بالكثير في أيامها القادمة ،حاولت إن تدفن ملامحها خلف تلك الستائر الرمضاء التي كست مكامن حياتها في ألفة الوحدة والاحتياج ، كاسرة كل قواعد الأعراف التي تأسست عليها أبجديات الريف ، حين يأتيها المساء حاملا معه تلك المشاهد التركية او الهندية عبر الدراما يستيقظ ذالك الغول المتوغل في إدراج جسدها ويطل علي مشارف أفكارها تحاول الهروب إلي تلك العيون الصغير التي مازالت تحتاج إلي حنان أحضانها ،تتراجع إلي الخلف مائة درجة وترتدي ذالك الثوب المهيب للرجال ولم تنسي ابد ان أخواتها حتى تلك اللحظة يتعاملون معها علي أنها رجل مثلهم لا يحتاج الي صحبه احدهم ولم تنسي أنها كانت بأولادها في زيارة أخيها الذي جاء من خارج البلاد وتأخرت في العودة الي منتصف الليل وكان يجلس أخويها الرجال كل منهم يحمل مهابة الرجال في جسده ولا يحمل من أعراف الأصول إلا اسمها فقط وعندما همت بالرحيل لم يخطر في بالها ابد أنهم سيتركونها تعود في تلك الساعة المتأخرة وحدها إلي منزلها التي أصرت ان تكون لها حياتها المنفصلة بعيد عنهم ، خرجت وحيدة تجر أذيال الخيبة فيهم فهم رجال بالاسم فقط ، تذكرت هذا الموقف وباتت ليلها متواصل مع نهارها في زي الرجال صوتها اعتادت ان يكون مرتفعا وكأنها تظن انه سوف يبعد عنها ذالك الشبح المخيف التي قررت ان تغتال معه كل مشاعر الأنوثة بداخلها ،طحنتها تلك السنوات المجحفة التي تركت تلك الخشونة علي جبهتها العريضة وحاولت ان تكون جاهزة بدنيا لأي طارئ يطوف باركان حياتها سواء من الأقارب اوحتي من أهل زوجها الذين تركوها في مهب الرياح وحيدة بلا أجنحة أو حتى سندا ،كانت صرختها مدوية فلم تجد من يشعر بها أو حتى يحنو عليها تحتاج الي من يسمعها بالقلب ويمسح دموعها إلي كثيرا ما كانت تغلبها في سحر الليل أو علي سجادة الصلاة ،وفي غمرة الوقت سمعت صوتا هامسا تسلل إلي مسامعها عبر الهاتف الذي جعلتها وسيلة تواصل مع اقاربها وزويها فقط ، صرخت بصوت عالي ” أتكلم عدل” لم يبالي وحين استمر في حديثة الناعم وكأنها سمعت لون أخر من البشر في عالم ملائكي علي هذا الكوكب لم تالفة من قبل ، اخترق عالمها وجلست تحكي له وهو يشاركها تلك الهموم ويأخذها من تلك المنطقة الرمضاء إلي تلك السواحر الخضراء علي ضفاف انهار تلك الجنة التي اوحت لنفسها بأنها كانت فقط في تلك العيون الناظرة في صورة معلقة علي حائط منزلها عند مدخل الصالة وان تلك الجنة قد أغلقت أبوابها بعد رحيل صاحبها وان مابقي منها ليس لأحد ان يقتحمه مهما كان فهي دائما تقنع نفسها بأن هذا العالم قد خلا من تلك الطلة الندية والراحة الحميمة التي كانت تنالها فقط عند عودته من سفرة وبرحيله لا يوجد فارس أخر لديه القدرة علي اختراق تلك الحصون الحصينة المحصنة التي راحت تعلي مبانيها يوم بعد يوم إيمانا منها بان العالم قد نضب من إيجاد من يخلف هذا الفارس لتلك المهرة التي ناطحت السحاب به ،تركها الوافد الجديد اسمعها كلاما لم تكن تسمح لأحد أن يقوله أو حتى يفكر فيه، مضي إلي حال سبيله ، في تلك الليلة تفتحت مكامن الحياة ونشوتها للمرة الأولي، نظرت الي المرآة للمرة الأولي بلون أخر بعدما خلعت تلك العيون العتيقة وتركتها علي مكحلة الماضي ،لتنهض فاردة ذراعيها للأيام ؟

المدينة المهزومة

 

كانت بين البنايات جماجم الاطفال والشيوخ خاوية من محتوي العمر ، كانت ملهي للعابثين في حوائطها ، اصوات الريح تصفر في تلك الفتحات التي حفرها الغازون
هنا بقايا احلام الطفولة قتلت علي تلك الوريقات في كتاب مهمل فر من نيرانهم
هنا بقايا عروسة كانت ملهي لابنتي الصغري عند النوم ، اسمع صرخات الوجع في عيون الامكنة الباكية ، الجرح غائر في بطون مدينتي ، مكاحلها باتت رمادية الوجوه
ابحث عن حلم صديقتي التي كانت تجهز لعروس ابنتها وترسم لها قصور وتيجان الفرح السرمدي مع ذالك الفارس الي عاش بداخلها منذ الميلاد ،بقايا مدينة مهزمومة بداخلي تلك المشاعر
– بقايا دخان يسكن تلك الحفائر التي صمم هولا حفرها ليحرقوا احلامنا ،يرفعون السيف والعلم المقهور والمرموز بالدين ، من هولاء ؟؟
من اعطي لهم اذن بالتوغل في ملامحنا ؟
من ذاك الذي منحهم تذكرة العبور عبر هويتنا ؟
لا لن ارحل من تلك البقايات العابثة والاحلام المقتولة ، ساحفر خندقا ياويني حتي الرمق الاخير ، سارسم للعابرون دربا الي مدينتي المهزومة
ساروي ابك النبتة التي هربت مع الريح الي الوديان لتناطح تلك الغيمات السوداء ،عنا ينابيع الفرات مازالت تترقرق عبر فتات البنايات المهدرة
مازالت الشمس تشرق عليها في كل صباح لم يتوقف الزمن عند الرحيل ، صوتي يمكنه الوصول الي افاق الغد القادم ربما ينتهي قبل الغروب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى