«كافيه فيروز».. البوح طريق الاعتراض

الجسرة الثقافية الالكترونية
*طارق عبود
في محاولة منه لتسليط الضوء على هواجس الشباب العربي ومخاوفه والإشارة إلى إحباطه، يأخذنا الكاتب العراقي علي شاكر في روايته «كافيه فيروز. رواية باستثناء فصل واحد» (الدار العربية للعلوم ناشرون)، إلى الغوص في نفوس شخوصه، والاطّلاع على ما تعانيه، وتفكّر فيه وتطمح إليه، في ما يشبه السرد لتاريخ العرب الحديث وحاضرهم، فينتقي خمس شخصيات، من كلٍّ من لبنان ومصر وفلسطين وسوريا والعراق، يمرون على المقهى، فيحكي كلٌّ عن بلده وتجربته وعائلته وهمومه..
يتأسس المتخيل السردي للرواية على حكاية الهجرة لنماذج من الشباب العربي. يظهر أن هذا المتخيّل ينبثق من الرغبة في الكشف عن أزمة الإنسان العربي وفضحها، والغوص في تفاصيلها.
يختار الكاتب مكان اللقاء في عمان، كونه يشكّل مكانًا محوريًا يتصل بالدول المشتعلة بالحروب، والغارقة بالدم، فينتقي كافيه فيروز، الذي احتضن تلك العيّنات للكشف عن مكبوتاتها.
إن عرض الكاتب للهواجس والمشكلات التي عبّرت عن حالات متفشية في المجتمع العربي، ربما يكون بهدف التحرر من ثقلها واقتسامها مع الآخرين، كما تؤكّده الأدبيات السيكولوجية، لكن بمداخل فنية، ووسائط جمالية، لوّنتها بعض كلمات الرحابنة التي وردت في الرواية، والعزف الذي استمر به وليد على مدى صفحات السرد. لذا قَد يصبح الحكي هنا عنصر تعويض لأزمة ولَّدها الزمن المعاصر المرعب الذي تخلخلت فيه القيم الأخلاقية والفكرية والسلوكية، وحضر مجدّدًا فعل الذبح والسبي والتهجير، فأصبح المقهى مكانًا لرصد المأساة الإنسانية، وأرضية اكتشاف المشترك المأساوي بين الجغرافيات المتداخلة.
ولعل اسم فيروز، مثّل القاسم المشترك الذي اتفق عليه الجميع، في المحبة، وفي محاكاة المشاعر الحزينة. وكأنّ صوت فيروز هو الذي يحوز على الإجماع، لغياب المشروع المشترك الموحّد، وحتى في الحد الأدنى.
هي قصص وحكايات مختلفة، عن مواجع لشباب عربي، اللافت فيه أنه يحكي عن الطبقة الميسورة وليست المتواضعة او المسحوقة، باستثناء وليد الفلسطيني، في إشارة إلى أنّ الإحباط عام، وليس خاصًا بالفئات الشعبية والمسحوقة، بل إنّ الإخفاقات والهزائم والحروب عندما تحلّ، فهي لا تستثني أحدًا. ولكن يؤخذ على الرواية هذه المبالغة في الزهد عند الشخصيات. فنرى إليها تتجاوز معاناتها الشخصية، لتندمج في الهمّ الجمعي للشعوب العربية، ربما في محاولة من الكاتب للتعتيم على الحقيقة، أو للتعويض عن لامبالاة الطبقة الحاكمة والغنية في التطلّع إلى أوجاع الفقراء والمهجرّين من بيوتهم وبلدانهم في مأساة ما سميّ بالربيع العربي، الذي مثّل زمن السرد.
يحكي لنا الراوي عن «ربى» الفتاة السورية، إبنة أحد المسؤولين الكبار في بلدها. هذا المسؤول كان صحافيًا مغمورًا، ثم معتقلًا وصل إلى مشارف حبل المشنقة، ثم بعد صفقة غامضة يصبح الرقم الصعب في سوريا. «رغم ما قرأٓتْه ربى على الإنترنت عن ثروة والدها ونفوذه في سوريا، كانت لا تزال تجهل الكثير عنه، لم تكن تعلم مثلًا سرّ التحول الهائل في حياته وحياتهم» ص137. يصوّر الراوي «حسام وشيرين» والديها « كثنائي أسطوريّ، تأتي إليهما الدنيا صاغرةً، فيحوّلان المآزق إلى فرص كبيرة.. تسيّل «ربى» لاحقًا جزءًا من ثروتهما لحلّ مشاكل النازحين السوريين في الأردن والتخفيف من معاناتهم. يركّز الراوي على الحرب في سوريا وتداعياتها على المواطن السوري، والذل الذي يعاني منه.
تحضر نادين كإبنة لزوجة أحد الأمراء الخليجيين، وحفيدة لأحد السياسيين اللبنانيين النافذين، والتي تجدُ في حسابها المصرفي مبلغًا معتبرًا، وضعته لها والدتُها التي منعت من رؤيتها وتربيتها، فتكفّلتها جارتُها جميلة التي توفيت لاحقًا. تعمل في وكالة الصحافة الفرنسية، وقررت التقاعد والاستقرار في العاصمة الأردنية عمّان، حيث افتتحت مقهى يحمل اسم مطربتها المفضّلة فيروز، ويسمح لزبائنها الاستماع إلى أغانيها وهم يحتسون قهوتهم.
أما وليد، فهو فلسطيني يعيش في الأردن في مخيم للاجئين الفلسطينيين، تبناه زوجان بريطانيان لم ينجبا أولادًا، وعلّماه العزف على البيانو. يسافر إلى أوروبا، ويحبّ «ديبرا» التي يكتشف لاحقًا أنها يهودية إسرائيلية تعيش في لندن. ومحمود الشاب المصري الذي يتزوج من «لارا» الإيطالية التي تهرب بابنتها إلى بلدها الأم، وتختفي.
وأخيرًا يأتي دور «علي» العراقي المهاجر إلى نيوزيلاندا الذي يستلم زمام السرد، فيتحدّث عن تجربته في العراق وتاريخه الحديث، وما حدث وما يمرُّ به حاليًا.
يسير الحكي على إيقاع تراجيدي جسدته رمزيًا حالة التيه عند الشخوص.
الرواية بوحٌ جميلٌ لشبابٍ ورث مشكلات الأجيال السابقة، والأرجح أنه في صدد توريثها للأجيال اللاحقة أيضًا.. لكن أفسد بعض جمالية الرواية الكثير من الأخطاء النحوية، وهذا ما يُسأل عنه دار النشر أيضًا..
المصدر: السفير