لماذا أنا ..نص للكاتب محمود جمال

خاص (الجسرة)

 

يستيقظ مارتن البالغ من العمر الخامس والاربعين عام الساعة السابعة صباحاً وهي ليست بعادته أن يستيقظ يوم إجازته مبكراً ويجلس على سريره ويضع رأسه علي يديه بضع دقائق ثم يذهب إلى الثلاجة ولكن ليس ليحضر طعاماً
بل ليحضر زجاجة الفودكا ويشرب كأس ثم يغلقها وينوي إنهائها على الشاطئ الذي يبعد عن منزله بضع دقائق ثم يقوم ليرتدي ملابسه من دولابه عدا المعطف يرتديه بالقرب من باب الشقة حيث يتركه هناك.
يرتديه ثم ينزل من السلالم بهدوء لكي لا يوقظ أحدأ فيمر بجانب شقة جارته الشابة لوسيدا التي يستيقط كل يوم علي صراخها أثناء حديثها في الهاتف مع عشيقها ثم يتابع نزوله إلى الطابق الآخر فيسمع صوت العمة ماريا تلك العجوز التي تصرخ في كلبها المسكين لتبوله علي سجادة المنزل وليس في المكان المخصص له
ويتابع نزوله للطابق الأخير فيخرج من مدخل المنزل ليرى تلك الطفلة تتمشي وهيا تشتم رائحة الزهور التي تقطفها يومياً من تلك الحديقة المجاورة كما تفعل كل صباح
يستكمل مارتن سيره إلى المكان المقصود فيشعل سيجارة للتسلية حتى يصل إلى المكان الذي يريده ويكون قد أنهاها يجلس أعلى صخره أمام البحر مباشرةً ويفتح الزجاجة ويبدأ بصب أول كأس فيشربه ويصب الثاني ويشربه حتى وصل إلى الكأس الرابع فيشربه ويتأمل السماء بنظرة عتاب
ويسأل لماذا ! ولماذا أنا ؟
لماذا أنا ذلك المريض منذ الصغر وفي آخر أيامه على فراش الموت ولست ذلك صحيح الجسد من يذهب ليمارس الرياضة ويأكل ما يريد ويفعل ما يريد ؟
لماذا أنا
ذلك الشاب الذي يبحث عن وظيفة بعد تخرجه وتقفل جميع الأبواب في وجهه ويضطر للذهاب لعمل في مصنع كعامل ليقدر علي مصاعب المعيشة
ولست ذلك صاحب العمل والمتحكم برأس المال من اعمل أنا من اجل أن يجني هوا المال ؟
لماذا أنا
ذلك الطفل الذي يرى والده يقتل أمامه في فلسطين من بنادق الصهاينة المغتصبين
ولست ذلك الطفل الذي يودع والده ويقبله قبل ذهابه إلى عمله وانتظاره حتى الرجوع ؟
لماذا أنا تلك الطفلة المرتجفة والخائفة من سقوط الصواريخ على منزلها في حلب
ولست تلك الطفلة السعيدة المنتظرة سقوط ثلوج الشتاء على منزلها ؟
لماذا أنا ذلك الشاب المختبئ من ذبح الدواعش له ولكل أبناء دينه في العراق لمجرد أنه مسيحي ويختلف عنهم في المعتقد الديني
ولست ذلك الشاب الذي يذهب إلى كنيسته ليمارس معتقده الديني في سلام ؟
لماذا أنا
من هولاء الباحثين عن اقل حقوقهم وهيا العيشة الادمية واقل احتياجاتهم مثل المأكل والملبس والمسكن
ولست من هؤلاء الباحثين عن المأكولات في أفخم المطاعم والملابس من أشهر الماركات التجارية
والمسكن في أفخم المنازل والكمباوندات
لماذا أنا كل هؤلاء البائسين ولست كل هؤلاء السعداء
وبأي حق حكم علي بذلك الشقاء
وبأي أساس تم تصنيفي مذنب ووجب عقوبته في هذه الحياة وما خطأي؟
ثم يقف مارتن ويحمل كل ما جاء به في حقيبته من سجائر وزجاجة الفودكا والكأس ويذهب إلى بيته ليستكمل دورة حياته التي لا يعرف إلى متى ستبقى هكذا وكيف سيحصل علي إجابة لأسالته وكيف ستنتهي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى