لم أكن هناك..حسن أبودية

خاص- الجسرة
في البدءِ … وفي النهايةِ .. رأيتُ نفسي مكوماً كحزمة حطبٍ يابسة، وبينهما لم أكن هناك، ربما كنت بانتظار امرأة تأتي قبيل الفجر تلقي بي في الطابون، ثم تشهق، إذ ترى ألسنة النار تتراقصُ مُشكّلةً جسداً بشرياً يرقدُ بين الجمر، فتخرج فَزِعةً، وتقسم في الصباحات أنّ جنيّاً ذاب في هواها ثم انتحر..
لم أكن هناك..
وكان سريرٌ وملائكة وشياطين، وامرأة تتأجج فيها الشهوة فتتلوى كأفعى. ترى لِمَ نُشبّه المرأة الشَّبِقة بالأفعى، أهي رمزٌ مقدّسٌ قابعٌ في أعماقنا للأنوثة ربما عبدناها في عمرٍ ما، ثم توارت القداسة وبقيت الرهبة والخوف؟؟ أم هي رمز لجمال خارق يحمل في أعماقه موتاً ابتدعته النسوة خوفاً على ذكورهن من سطوة الفتنة؟؟
كانت تتلوى، فتحرّك شهوةَ السريرِ لملامسةِ ذراتِ جسدها. وفي اللامرئي كانت الملائكة والشياطين تتدافع، وتدفع بها كلٌّ إلى سبيل..
ولم أكن هناك، كنتُ كحزمة حطبٍ أنتظر في الفجر ريفيّةً تُخْطِئُ فتلقي بي بين جمرات الطابون ..
لم أكن هناك..
وكان الدرج المؤدي إلى غرفتها معتماً، وكان طويلاً، مزدحماً بذرات سوادٍ تصدني قائلة: لاتخرج من قبرك للحياة، ربما الكفن أكثر دفئاً من حضن غانيةٍ اعتادت التعري أمام عيون الزناة، فافقدها الاعتياد دفء الجسد ورونَقَه.
لكنّ قدميَّ كانتا تتواليان على الدرجات الصاعدات نحو القاع، لست أدري إن كانت قد وصلَتْ، أم لم تصل؛ كانت الظلمة حالكة، ولم أستطع رؤية السرير لأعرف إن كنتُ هناك أو لم أكن.
لكني أجزم أني لم أكن، إذاً لصرختُ دهشةً عندما رأيتُني، وتكوّمتُ على ذاتي كحزمة من حطب.
والريح لم تكن موجودة، كانت في مكان ما تمرّ في جسدِ قصبةٍ لتبثّ فيه الروحَ، وكان القصب يتمايل في رقصة حزنٍ ندبيّة تثير في الريح الجنونَ أكثر.. والشهوة إلى إبداع الخلق أكثر، حتى أنستها شهوتُها أنّ عليها أنْ تمرّ عليَّ ذات وقت؛ لأقول لها ما أسرّ لي به الجنيّ القابع في طابون الريفية وهو يقبّلُ مع كل حطبةٍ تُلْقى أرغفةَ الخبزِ لأن يد المحبوبة ستلمسها، وكانت الريفيّة قد نسيتْ مسح الكحل من عينيها، فيتسلق الدخان أهدابها ليكتب على صفحة الخدّ حكاية ليلٍ مرَّ بطيئاً .. مرّ على المكان وأهله، ولم أكن هناك..
ربما لم أكن هناك..
لكنَّ امرأة أقسمت أنها رأتني أنثر قبلاتي على سياج البيت المقابل لنافذتها، وأنها شعرت بالغيرة، وتساءلت كيف لعشقٍ أن يصل حدّ الجنون؟؟ وأردفت.. أني ظللتُ أطوف بالبيت كأني أحرس الأحلامَ حتى بزغ الفجر، واستفاقت الأزقة فاختبأتُ في الطابون، وأن سِنَةً أغشتْ عينيها فلم تدرِ ما حدث بعد ذلك .. لكنها في سِنَتِها حَلُمَتْ بطابون أكثر توهجاً، خرجت منه صبية مرتبكة الخطوات تنظر مراراً خلفها، وأنها أوقفتها سائلةً إياها عن كل ما رأتْ، فعلا زهرُ الرمان خديها، وضاعت الكلمات، فقط التقطت منها.. حزمة حطب.. جني.. طابون..وعلى الخد كانت آثار كحلٍ خطّ شيئاً ما..
لم أكن هناك..
لكنَّ أصوات أجراس قطيع الشياه أيقظ في العشب شهوة الاغتسال بقطرات الندى، وأيقظني من صحوتي.
على الأكفّ آثارُ حروق، وفي الحلق كلماتٌ يابسةٌ اعتدّتُ غناءها..
لم يكن الجسد جسدي، ولا الصوت صوتي، لكنّي – رغم أنّي لم أكن أنا – أعترف.. أني اقترفت كل ما حدث.