ما جدوى أن تغرس شجرة – كمال أبو النور

الجسرة – خاص

ماجدوى أن تغرسَ شجرةً
مع أولِ ضوءٍ للنهار ِ
تختبئُ تحت الأرضِ
وتخرجُ من مخبئها
مع أول طلةٍ لليلِ
كلما غردَ عصفورٌ على أغصانِها
تتألمُ ، تصرخُ ، تبكي ،
تذبلُ كل أوراقها
تمنحُ جسدَها للحطابين
لكن أملا يحدوها
أن تتلقى قبلةً حارةً
من البومِ والخفافيشِ
فتنتصبُ بشموخٍ وتخضر
تنتشي الأغصانُ ، ترقصُ
تتوددُ لليلِ أن يطولَ
لا أملَ في هذا النهارِ
هذا النهارُ أعمى ، أخرسُ
أصم ، بلا قلبٍ
لم يكنْ أبدًا عادلاً
لم يستمعْ مرةً واحدةً
لأوجاعِ الصباحِ
لم يلتفتْ إلى أنينِ الأرصفةِ
إلى الشوارعِ التي فقدت صوتَها
وعقلَها لعجزها أمام الأرقامِ
ماجدوى أن تغرسَ شجرةً
كنتَ تتمنى أن تحملَ عنكَ العناءَ
تتمنى أن ترحلَ تاركًا وراءك جذورًا
تتشعبُ من بلدٍ إلى بلدٍ
تحملُ نفسَ ملامحِك الطيبةِ
تتمنى لكل الأشجارِ أن تثمرَ
تسمحُ للجميعِ أن يقفوا
في الصفوفِ الأولى
تقفُ في الخلفِ وتبتسمُ للجميعِ
تقدمُ وردةً لمن يقذفُها بالحجارةِ
تهتفُ للحريةِ ، لاتعبأ بقنابلِ الغازِ
لكن هؤلاء الذين تتألمُ من أجلِهِم
كلما أسقطْتَ لهم صنمًا
صنعوا صنمًا آخرَ
ماجدوى أن تغرسَ شجرةً
جذورُها مسرطنةٌ
عاجزةً عن قراءةِ الطقسِ المتآمرِ عليها
تتغذى على الماءِ والطعامِ الملوثِ
لاتملكُ حنجرةً للغناءِ
ولأن السوسَ ينخرُ في أحلامِها
تنظرُ بحسرةٍ لمن يتسلقون الجبالَ
في كل بقعةٍ من العالمِ
إلا هنا في هذا المكانِ
التوابيتُ مجهزةٌ في كل المنازلِ
في انتظارِ الموتِ المفاجئِ
للعصافيرِ المطاردةِ بلا جريرةٍ
فلا جدوى من غرسِ شجرةٍ
تعجزُ أرواحُنا المقهورةُ
عن علاجِها من الإدمانِ المتواصلِ
لقبلاتٍ حارةٍ من البومِ والخفافيش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى