متاحف الغرب «عرائس» … والشرق يطلّق ثقافتها

الجسرة الثقافية الالكترونية -الحياة-
ذا أردت أن تزور متحفاً في دولة عربية، فما عليك سوى التوجه إليه وحجز بطاقة (بعض المتاحف مجانية)، والدخول والتجول في أرجائه. وخلال الجولة لن يعترض أحد طريقك، ولن تنتظر بسبب الازدحام على لوحة أو تمثال ما للتمتع بجماله، بل ستتمعن به قدر ما شئت ألى أن تحفظ تفاصيله. وخلال ساعة أو أكثر تكون قد جلت على حضارة مضت، وتعرفت على حقبة عبرت، وما تخللها من إبداع وجمال.
وبما أن المتاحف الوطنية لدينا لا تحظى باهتمام رسمي أو شعبي لغياب ثقافة المتاحف وعدم تربية الناشئة عليها، فغالباً ما نلاحظ أن سكان البلد الأصليين لم يزوروا متحف بلدهم الوطني ولو مرة واحدة خلال حياتهم. ولكن الوضع في فرنسا التي تعج بالمتاحف والمعارض يختلف كثيراً.
فإذا أردت زيارة متحف اللوفر مثلاً، عليك بالحجز المسبق عبر الإنترنت لتفادي الانتظار الطويل أمام شباك التذاكر والذي قد يمتد الى اكثر من ساعة للاختيار بين ثلاث بطاقات متعددة الخصائص.
بعد الحصول على البطاقة، تعود الى الانتظار في صف طويل للدخول الى المتحف من مدخله الرئيس تحت قبة الهرم الزجاج. ينتظر الزائرون بلا ملل، وبشوق الى رحلة عبر التاريخ. لا يتخطى أحدهم الآخر. ثقافة الانتظار أيضاً مكرسة كما الثقافة المتحفية وهي تكمّلها وركن أساس فيها. داخل المتحف عليك الانتظار أيضاً لرؤية بعض اللوحات الشهيرة كنجمة اللوفر «الموناليزا» للإيطالي ليوناردو دافنشي. فالوصول اليها اليها يحتاج الى نفس عميق وصبر، خصوصاً أنها تجذب آلاف السياح يومياً، لالتقاط صور قربها، علماً أن إدارة المتحف تضرب طوقاً أمنياً حولها، وتسمح بمشاهدتها عن بعد فقط.
خلال الجولة تشعر كأنك في محطة للقطارات، أو في قاعة الانتظار في أحد المطارات الضخمة. حشود من كل الجنسيات، تتوافد الى أقسام المتحف الثلاثة، لكن من دون أن تسمع كلمات عربية، أو عبارات اعجاب بلغة الضاد.
ولمن لا يعرف شيئاً عن تاريخ الفن أو الحضارة الإنسانية، ثمة أجهزة تكنولوجية تزوّد الزوار بكل المعلومات التي يريدونها، وبشرح تفصيلي عن أهم المقتنيات وبأكثر من 10 لغات باستثناء اللغة العربية، لأن زائري المتحف العرب ليسوا شريحة كبيرة. والملاحظ خلال الجولة، كثرة تلامذة المدارس الذين يدورون في أرجاء المتحف مع معلم يتحدث إليهم عن الأعمال المعروضة، متلقياً أسئلة كثيرة منهم. وبعض الطلاب يفترشون أرض المتحف أو يجلسون خارجه في حدائقه الواسعة، ليناقشوا موضوعاً له علاقة بالمتحف، أو يستمعوا الى سرد عن تاريخ المقتنيات، ما يساعد على فهم حقبات ماضية بشكل أفضل، ويغذي ثقافتهم المتحفية.
ولا يتوقف الأمر عند صغار السن، بل يشمل الكبار أيضاً. ولأن هذه الفئة المسنة غير قادرة على التجول بسرعة، وتكون الرغبة لديها أكبر في التمتع بالأعمال الفنية، يحمل بعضهم كراسي قابلة للطي، يفتحونها ويجلسون أمام العمل الذي يريدون التمتع به، لفترة تتراوح بين 5 و7 دقائق، ومن ثم ينتقلون الى عمل آخر. ولأن المتحف يضم أكثر من مليون قطعة، من الصعب زياره كل أقسامه وأجنحته في يوم واحد، خصوصاً أن بعض الأقسام تشهد إقبالاً كبيراً، وقد تستغرق الجولة فيها أكثر من ثلاث ساعات.
تقول مسؤولة الإعلام في متحف اللوفر صوفي غرانج إن الإقبال العربي على المتحف ليس كبيراً، مقارنة بالزائرين من شرق آسيا وأوروبا، ومن المقيمين الأجانب داخل فرنسا، اضافة الى المواطنين والتلاميذ الذين تنظم لهم وبشكل دوري جولات للتعرف على مختلف المتاحف في فرنسا.
المرتبة الأولى
وتوضح أن زائري اللوفر يتخطون عشرة ملايين شخص سنوياً، وهو ما زال في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد الزوار. ولكنها تشير الى أن المعارض التي لها علاقة بالإسلام والعرب وفنونهم، تجذب عادة الزائر العربي، مضيفة أن «نشأة متحف» وهو المعرض الذي يضم مقتنيات اللوفر أبوظبي، يشهد اقبالاً ملحوظاً لتميز الأعمال المعروضة، وروعة التصميم الذي نفذّه المعماري جان نوفيل. واللافت في الأمر أن الحكومات الغربية تتعاطى مع المتاحف على أنها «عرائس» وتهتم بها وتبقيها «أنيقة» وتسخّر لها كل الامكانات الموجودة.
إذاً زيارة المتاحف في أوروبا عموماً، عادة أساسية، يتربى الناس عليها، خصوصاً أن أهم المتاحف والمباني الأثرية موجودة في القارة العجوز. ولأن هذه المتاحف تشهد اقبالاً كبيراً، ثمة مطالبة في فرنسا حالياً بإلغاء يوم العطلة المخصص للمتاحف (الثلثاء)، وأن تفتح المتاحف أبوابها كل أيام الأسبوع، على غرار بعض المتاحف الأميركية والبريطانية.
ولترسيخ الثقافة المتحفية في العالم العربي، ثمة الكثير للعمل عليه، ويجب البدء بتعويد تلامذة المدارس على زيارة المتاحف الوطنية، والقيام بحملات دعائية سياحية لجذب جمهور أوسع من المقيمين في البلد. وإذا بحثنا قليلاً لا نجد احصاءات رسمية بعدد زوار المتاحف في غالبية البلدان العربية، وقد لا يتجاوز عدد الزوار سنوياً في بعض البلدان أكثر من 10 آلاف.
في المقابل، ثــــمة محاولات خليجية لترسيخ الثقافة المتحفية، ففي قـــطر مثلاً بلغ عدد زوار المتاحف والمعارض السنة الماضية نحو 135 ألف زائر من قطريين ومقيمين وزوار أجانب ومجموعات طالبية.
ودشنت أخيراً هيئة متاحف قطر «حافلة متحف» وهي عبارة عن خدمة نقل مجانية للعامة بين متحف الفن الإسلامي ومتحف المتحف العربي للفن الحديث. وتهدف إلى تعريف الزوار على موقع متحف وتسهيل وصولهم إليه، إضافة إلى جعل تجربتهم في متحف الفن الإسلامي تجربة فريدة ومميزة.
وإستقطب «متحف دبي»، أحد أبرز المعالم السياحية والثقافية في المدينة، ما يزيد على مليون زائر العام الماضي، بنمو 12 في المئة مقارنة بأعداد الزوار المسجلة خلال عام 2012. وفي مصر تقلص عدد زوار المتحف الوطني كثيراً بسبب الأوضاع الأمنية، في حين كان يصل عدد زواره الى أكثر من خمسة آلاف سائح سنوياً. ويحضر الذاكرة أن المتحف الوطني اللبناني غرق السنة الماضية في مياه الأمطار، وتضرر العديد من مقتنياته.