مثقفون يرصدون أهمية أدب المقاومة

الدوحة – الجسرة
في الوقت الذي تستحضر فيه غزة، العزة للأمة، وتعزز مكانتها، وتعيد ريادتها، وتسعى لإعادة الحق المسلوب إلى أهله، والأقصى الأسير إلى أصحابه، يستحضر المثقفون في خضم العدوان على القطاع، مصطلح أدب المقاومة، والذي يعود الفضل في إطلاقه إلى الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، بعدما أطلقه في أعقاب نكبة 1948.
وحرصًا على رضد التفاعل مع ما يجري، ورصد المثقفين تجاهه، نستحضر مصطلح أدب المقاومة، باستطلاع آراء عدد من المثقفين حول ماهيته، والتوقف عند طبيعته، وأبرز الإنتاجات الأدبية التي تناولته، علاوة على التعرف على مدى استمرار هذا اللون الأدبي، وهل من الممكن أن يستعيد دوره، في ظل التطورات الجارية.
د. زكية مال الله: لم يختف وباق ما دامت الأرض محتلة
توضح الشاعرة والكاتبة د. زكية مال الله العيسى أن أدب المقاومة، هو “الأدب الذي يهتم بالكتابة عن أوضاع فلسطين تحت وطأة الاحتلال، ويشتمل على الشعر والنثر والقصة والمسرح، وكافة الفنون الأدبية التي تعد من أهم الأسلحة الفتاكة للشعب الفلسطيني، وصوت الشعب الحر الثائر ضد الاحتلال والقمع والقهر”.
وتقول: إن أول من أطلق مصطلح أدب المقاومة، هو الأديب الشهيد غسان كنفاني، وذلك على الأدب الذي بدأ يُكتب في فلسطين المحتلة، بعد نكبة 1948، وعاش أدباء المقاومة تحت ظروف استعمارية فرضت عليهم الحصار الثقافي وحرمتهم من الاقتداء الفكري والاجتماعي مع الشعوب الأخرى، لكن أصواتهم وأقلامهم كانت التحدي لهذا الحصار، ونادت بالوصول للحرية والاستقلال، وعبرت عن الهوية الثقافية للوطن، ومواجهة المغتصبين وفضح الجرائم التي يرتكبونها، كما كانت حلقة الوصل بينهم وبين وسائل الإعلام والمجتمع الثقافي الدولي”.
وتتابع د. زكية مال الله: أُشتهر العديد من الشعراء والأدباء الفلسطينيين في هذه الفترة، مثل محمود درويش وسميح القاسم ويوسف الخطيب وراشد حسن وفدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي وسعيد المزين وسميرة الخطيب وسلمان مصالحة وغيرهم، وكانت نصوصهم الشعرية والسردية مثل طلقات الرصاص المكتومة التي تثور وتكشف وتعلن وتواجه الواقع المرير للشعب الفلسطيني، وأحقيته الشرعية في الأرض المغتصبة، كما كان هناك أدباء وشعراء عرب مثل نزار قباني، حظيت فلسطين باهتمام بالغ في نصوصهم الإبداعية، ودعوا إلى الجهاد والتحرير والحنين إلى الوطن، وإبراز صورة الشهيد ورفض الظلم والعدوان، والتأكيد على أن المقاومة هى الطريق الوحيد للوصول إلى الحرية. وتؤكد أن هناك نُدرة في الأعمال التي تندرج تحت مصطلح أدب المقاومة بالنسبة للأعمال الأدبية الأخرى المطروحة في الساحة، وذلك بسبب تعدد القضايا الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المبدع العربي، والحاجة إلى الحوافز التي تمكن المبدع من الكتابة والطباعة والنشر، ولكن الأقلام التي تكتب موجودة ما دامت القضية راهنة، والاحتلال باق، وما زالت هناك أجيال حديثة تتبنى القضية، وتسعى إلى المقاومة والجهاد، حتى تنكشف الغمة، ويعود الحق إلى نصابه.
علي المسعودي: يسهم في ترسيخ حتمية تحرير الإنسان
يرى الأديب علي المسعودي أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة والتفاعل العالمي مع ما تعرضت له غزة من حرب إبادة وتدمير للبنية التحتية أعاد إحياء أدب المقاومة وقد كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو أدب عاش خلال العقود الماضية في غرفة الإنعاش، بعد سنوات طويلة قضاها متنقلاً بين فنادق الخمس نجوم يطلّ من شرفته الفاخرة على القتل الذي يتعرض له المسلمون في أنحاء شتى من العالم سواء في فلسطين أو في البوسنة والهرسك سابقا أو في الهند، فيقوم الأديب المقاوم بكتابة قصيدة لا يفهمها سوى نخبة ليشارك فيها في مسابقة شعرية.
ويقول علي المسعودي: إن الحياة الجديدة لأدب المقاومة ستختلف عن سابقتها، إذ سيكون حيًا نابضًا يحمل صوت الأطفال وهتافات الشوارع وصراخ المقاتلين، وسيسهم في إذكاء جذوة النضال وترسيخ حتمية تحرير الإنسان من خوفه ثم تحرير الأرض من مغتصبها.
سهام جاسم: أدب المقاومة استثناء شديد الخصوصية
تقول الكاتبة سهام جاسم: أدب المقاومة غير مختفٍ، بل هنالك قلة في الأعمال التي يمكن تصنيفها ضمن أدب المقاومة والتي تؤدي دورها الشاحذ للهمم والحماس كالأعمال السابقة، ومنذ الجاهلية يجابه الأدب بين حقبة وأخرى التساؤل نفسه هل غادر الشعراء من متردم ؟ ليأتي بعدها زخمٌ من الأعمال الأدبية المبدعة.وتتابع: إننا نفتقر لتلك القوة الداعمة التي يعبر بها الأديب تعبيراً مسايراً للأحداث المؤسفة التي تجري على أرض فلسطين إذ كلما ازداد العدوان والتجاوز استحضرت ذاكرتنا أخي جاوز الظالمون المدى للشاعر علي محمود طه ذلك لأن الظالمون ما زالوا يتجاوزون…وتضيف: كلما رمنا استحضار العزة والشموخ والأمل والرجاء كانت قصيدة شاعر فلسطين إبراهيم طوقان:
مَوطني الجلالُ والجمالُ
والسَّنـاءُ والبهـاءُ في رُبـاك
والحيــــــاةُ والنّجـــــــاةُ
والهـناءُ والرّجاءُ في هـواك
هل أراك
سالماً مُنعّـماً وغانماً مُكرّماً
حتى غدت نشيداً فلسطينياً خالداً يتغنى به الوطن العربي بجميع أقطاره، وما زلنا بعد انقضاء عقود من الزمان نستضيء بجذوة المقاومة والنضال في أدب غسّان كنفاني من خلال أعماله الرائعة ما تبقى لكم، رجالٌ في الشمس، أرض البرتقال الحزين، عائدٌ إلى حيفا.. وظلّ صوت الشاعر محمود درويش ملازماً لنا في كلّ مكان مُردداً على هذه الأرضُ ما يستحق الحياة… والكثير الكثير من القصائد التي كانت تُدوي في سماء الأدب، عرضت تلك النماذج على سبيل المثال لا الحصر.
وترى سهام جاسم أن “أدب المقاومة الفلسطينية استثناء شديد الخصوصية، لأنّها تتناول قضية وطن مسلوب منذ ٧٥ عاماً، فالقضية حاضرة بجميع ملفاتها ومثلها تماماً أدب المقاومة لا تصنيف لجديد ولا لقديم فيها فكل ما قيل وكُتِب سابقاً ما زال فعلاً مضارعاً مستمراً حتى اللحظة يروى بتزامن دقيق هذه المأساة الإنسانية المروعة وذلك الانتهاك المسترسل والاعتداء الذي لا يرعوي عن غيه تجاه الشعب الفلسطيني ولأنّ الضوء لم يغادر هذه القضية ولن يغادرها مطلقاً فأدب المقاومة كذلك لقد قيلت الكلمة التي تحث على الفعل وبانتظار الانفراجة الحقيقية”.
د. أحمد الجنابي: حاضر بقوة في المشهد العربي ويشهد تطوراً
يؤكد الخبير اللغوي د. أحمد الجنابي أنه ما من مقاومة إلا ولها أدب، “فالأدباء بلسانهم والمقاومون بسنانهم جنبًا إلى جنب، وكأن الأدب من متلازمات المقاومة، فلم يختف عن أي مقاومة، وشهد الأدب المشاهد كلها، وشارك بالفنون الأدبية الرائعة والمبدعة في كل مقاومة. فهذا اللون حاضر في المشهد الأدبي العربي وبقوة؛ وصار غرضًا أدبيًا مستقلًا بنوعه، فأدب المقاومة نظمت فيه دواوين وقصائد ومقطوعات شعرية، وكتبت فيه روايات وقصص، وأخرجت فيه مسرحيات وأفلام ومسلسلات ذات أجزاء، ولحنت آداب المقاومة في أناشيد وأغان حماسية وأهازيج، وكُتبت فيه دراسات وبحوث وأطاريح جامعية، وعُقدت حوله ندوات ومؤتمرات، وألقيت فيه محاضرات”.
ويلفت إلى أن شعر المقاومة ابتدأ بمقاومة المستعمر للبلاد العربية، وكل العرب يحفظون مطلع قصيدة الحياة لأبي القاسم الشابي، ومن قبله أمير الشعراء أحمد شوقي، ومن بعده الشاعر العراقي معروف الرصافي، ومن مصر علي محمود طه صاحب أخي جاوز الظالمون المدى، وهناك أسماء لامعة في أدب المقاومة المعاصرة فلا تُذكر المقاومة إلا ويذكر شعراؤها وأدباؤها، منهم محمود درويش وسميح القاسم والأدب السياسي الساخر لأحمد مطر، وشطر من شعر نزار قباني، ومن جيل الشباب تميم البرغوثي، ومن الشاعرات والأديبات فدوى طوقان، وغيرهم الكثير من شعراء الفصحى والشعراء الشعبيين.ويقول: نال الشهادة عدد من أدباء المقاومة، منهم الشاعر عبد الرحيم محمود صاحب سأحمل روحي على راحتي، وغسان كنفاني الذي اغتيل ودفن في مقبرة الشهداء في بيروت، وشاعر الفلوجة محمد سعيد الجميلي، وغيرهم من الشعراء المقاومين.
ولا يرى د.الجنابي وجود نُدرة أدبية في تناول القضية الفلسطينية، “فبسبب طول أزمتها كانت هناك مساحة زمنية ممتدة، فكثير من الشعراء نظموا في فلسطين شعرًا، ونثروا أدبًا، وقالوا حكمًا، ففلسطين كتب لها الشعراء والأدباء من الدول العربية، ومن العرب المهاجرين في البلاد الأخرى، بل ومن شعراء وأدباء غير عرب مناصرين لقضيتها، بالإضافة إلى موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر، التي صدرت قبل ربع قرن، وجائزة فلسطين العالمية للآداب، كما أطلقت وزارة الثقافة الفلسطينية في غزة مسابقة أدبية بعنوان “شعراء ضد التطبيع”، وهذا تطور أدبي في أدب المقاومة كما لا يخفى.
د. أيمن دراوشة: تغير شكله وتحول إلى تعاطف إنساني
يقول د. أيمن دراوشة، ناقد أدبي أردني، إن أدب المقاومة لم يختف عن المشهد العربي، والذي حدث هو إصابته بالضعف في ظل العولمة وعهد الإنترنت بسبب تغير الظروف المكانية والزمانية والسياسات المختلفة للدول، “إن تحدثنا عن أدب المقاومة فهو مصطلح ارتبط بالقضية الفلسطينية أكثر من ارتباطه بغيرها، ذلك أنَّ الأدب الفلسطيني له تاريخ طويل في مواجهة المحتل، فاستطاع الأدباء مثل محمود درويش وغسان كنفاني وسميح القاسم وغيرهم أن يوصلوا رسالتهم من خلال إبداعاتهم إلى فضاءات عالمية وثقافية واسعة، وجعل القضية الفلسطينية محط اهتمام العالم، ولهذا فأدب المقاومة لا يعني الشعوب العربية وإن وجد فهو مغاير تمامًا لمفهوم أدب المقاومة للأدباء الفلسطينيين، فالمقاومة في الدول العربية إن وجدت هي مقاومة ضد الظلم والاضطهاد والفقر والفساد والحكم الطاغي”.
ويرى أن هناك نُدرة هائلة للأعمال الموجهة لدعم القضية الفلسطينية من لدن الأدباء العرب. مرجعًا ذلك لانشغال الأدباء بقضاياهم وهمومهم الذاتية والوطنية، “أمَّا الأدباء الفلسطينيون، فلم يختف أدب المقاومة عن المشهد، والذي حدث أنَّ أدب المقاومة تغير شكله فلم يعد فقط روايات وشعرا، وإنما تحول إلى تعاطف إنساني حتى لو كان بكلمة استنكار أو دعاء أو نشر صورة مؤلمة لطفل استشهد والتعليق عليها، والملاحظ ارتباط هذا النوع من الأدب بوقت آن ووليد لحظته، فالعملية نسبية، فإذا حدث العدوان والقتل والتدمير من أي عدو على العرب والمسلمين، فإننا نجد قوة هذا النوع من الأدب على نطاق واسع كما يحدث الآن من عدوان جائر على غزة حيث سخر الأدباء العرب أقلامهم وإبداعاتهم المختلفة ضد هذه الهمجية الصهيونية معلنين تضامنهم وتعاطفهم مع الشعب الفلسطيني”.
**نقلاً عن جريدة “الشرق”