مريم الزدجالية تبحث عن اتجاه خامس

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر / عمان

حين استفزت فيها العقول بسؤال عن معنى اللون الجديد –
الفنانة التشكيلية مريم الزدجالية ، فنانة يعرفها الفن في عمان ، وألقت عليها الأرجاء الدولية تحيتها وتقديرها ، وشاركت في الكثير من المعارض والمناسبات والملتقيات .
و مريم .. هي نفسها التلميذة التي كانت في مرحلة تعليمها الابتدائي ، التي طلبت معلمتها أن ترسم ما يعبر عن عيد الأم ، ورسمت مريم مشهداً مختلفا عن زميلاتها ، فشكلت شجرة ظليلة ، تستظل تحتها قطة ترضع صغارها، والتي أثارت إعجاب معلمتها ، وطلبت المعلمة من مريم  أن تشترك في مسابقة المدرسة الفنية ، وشاركت .. وحصلت على المركز الأول حينها .
كانت تلك الحادثة هي إشراقة لون في حياة مريم الزدجالي ، التي ما فتـئت لشمس لونها أن تغرب ذات يوم ، فرسمت في الاتجاهات الأربعة ، تحاول البحث عن اتجاه خامس .
وحين تبحث مريم عن اتجاهات جديدة ، فهناك من يدور في فلك أسئلتهم سؤال يبحث عن إجابة في لوحات مريم ، وفي معاني حديثها .. بأنها وهي في حالة بحث عن لون جديد ، وعالم فني مختلف : أهناك لون وعالم فني في الحياة غير الذي نراه في حياتنا ؟ .
* * * *
المسألة في الفن ليست مختلفة عن كثير من مجالات العلوم الأخرى ، فهناك في الطبيعة تعيش الطيور ، وهذا التواجد في ذاته أمر طبيعي ومسلم به ، ولكن هناك من البشر من لم يكن مروره على ذلك مجرد مرور مسلم به ، بل درسه وتفحص حركات الطير وكيفية طيرانه وهبوطه ، حتى وصل اليوم إلينا اختراع الطائرة ، وكذلك مثلاً بالنسبة للكلمات ، فهناك من يفطن لصياغتها في جملة مبتكرة تعطي إحساساً ومعنى مختلفا لم يكن قد عرف من قبل ، رغم وجود نفس الكلمات بيننا ، ولكن اختلفت عند المبدع طريقة الاستخدام وترتيبها .
كذلك هو الفنان ، وكذا هي الفنانة مريم الزدجالية ، من لا تمل من التجربة .. لتكون المنتجة لشيء جديد ، تقطفه مما حولها ، فالألوان وشكلها هي موجودة في الطبيعة ، واللون الأبيض مثلاً ، يمكن أن نجده وقد صبغت به جدران منزل ما ، ولكن بشكل يتيم لا يكون في الأمر إلا وجود اللون نفسه !!! ، لكن مريم في لوحاتها أعطت لصبغة البيوت مثلاً شكلاً جديداً ، وراحت تضع الأصباغ وكأنها تجمع أحجار الموزاييك ، ليتكون أسلوبين معماريين في آن واحد هما طريقة الصبغ أو التلوين الاعتيادية ووضع أحجار الموزاييك ، ليكونان معاً استكمالاً لرسم باقي مكونات اللوحة، كأن تكمل  تلوين السماء بنفس الطريقة ، أو جبل أو بحر أو غير ذلك في اللوحة نفسها .
* * * *
ومثل هذا الأسلوب يكون محسنا لونيا للشكل الجمالي للوحة ،  ويعطي أيضاً مساحات مثالية لاستغلال الفراغ بمميزات يقوم الفنان بتقديمها عن طريق التلوين ، وهذا الأمر مشابه لأسلوب الزخرفة التي بملئها التقليدي للمكان تكون من أفضل الفنون التي استغلت مفهوم الفراغ ، وهذا الأسلوب مبتكر فني حيث أنه يوازن شكل اللوحة عن طريق أسلوب التلوين ، وأستطيع القول أن اللون هنا بتواجده في مواضيع اللوحة يصبح كعنصر ( المنظور) الذي يساعد على تبيان الأبعاد بين الأشياء ، فيكون اللون هنا هو : (اللون) الذي يكون المتحكم في المدى البصري للوحة ، مع ملاحظة أن مثل هذا المنظور لا يكون محسوساً مادياً كما هو الحال في الواقع ، بل هو معنوي وروحي يشابه بذلك ( رسومات المنمنمات) التي يظهر فيها منظور ما بالرغم من أنه مسطحة تماماً .. أو كرسومات الأطفال التي يكون منظورها ( القيمة القدرية للشيء) أي كيف ينظر الطفل لما يرسمه من قيمة ، فمثلاً إن كانت قدر أبيه ومحبته أكثر سيرسم أباه بشكل أكبر ، ورئيس الدولة سيكون أكبر حجماً وهكذا .
ويتميز اللون في معظم لوحات مريم الزدجالية بالنقاء والصفاء ، فلا تختلط الألوان ببعضها في مكان واحد ، بل أن ذلك يتم بشكل منظم وكل مكان بلون محدد ، وذلك يدل على أن من صفات الفنانة أنها متأنية وليست مندفعة وسريعة في إنهاء عملها ، وذلك أمر يعطيها فرصة للمراجعة ، واشتغال أكثر في اللوحة وتفاصيلها ، وربما لهذا السبب نجد أن الفنانة ليست غزيرة الإنتاج .
واللون لديها غارق في البهجة والفرح ، فيبدو في طبيعة تلوينها أنها لا تميل إلى نقل المشهد الكئيب بطريقة أن تكون الألوان الداكنة هي الجسر الذي تصل إلى وصف المشهد بالحزن أو كآبة ما .
* * * *
وفي مشهد الرسم عند مريم جانب من أسلوب الرسم عند الأطفال ، وهي طريقة لا تتقيد بما تراه أمامها ، بل ما تشعر به من قدر وتأثير وعلاقة بما تقوم برسمه ، فكما يرسم الطفل أباه بشكل أطول من أمه مثلاً لسبب محبته من لأبيه أكثر ، نجد أن مريم ترسم المسجد بشكل مبالغ فيه يحتوي على الكثير من الأقواس وجمعت في مساحاته معظم الألوان ، وكأنها تقول أنه يحوي الجميع في جماله ، ولا يمنع من دخوله أحد ففي كل مكان له باب ، ويرتفع عالياً للناس ليراه الجميع ، قائلاً تعالوا من كل صوب لا اتجاه مغلق ..وربما تريد من ذلك نظرة أعمق وهي أن الأسلام برمزه بالمسجد يحتوي الجميع .
وما يلفت في أعمال الفنانة مريم ، أنها لا تميل إلى حشو اللوحة بالمواضيع ، فالارتباط سيد الموقف في اللوحة ، ولا يشذ أمر ما في موجودات اللوحة عن ما حوله من أشياء .
بل ان ما يميز هذا الأمر أكثر، أن الفنانة تجعل من الأشياء البسيطة التي لا يكون لها ملمس فني ، ذات زوايا جديدة تقدمها في اللوحة بشكل مبتكر ، أو تحديث لموجود بيننا ، فتقديم منزل لا تفاصيل معمارية ولا جماليات في شكله الخارجي يتحول في لوحات مريم إلى كتلة منمنمات لونية صغيرة، تحافظ فيه على أصالة المنزل الشكلية ، ولا تجعل منه أمراً خارج نطاق الإدراك العقلي بحيث لا يتم تمييز أنه بيت أم أنه مجرد خطأ في أن لوناً قد انسكب في ذلك المكان !!! .
لا تغفل العين المتأملة في لوحات مريم تأثرها بالرسم والتلوين المعماري ، فالتلوين بطريقة تشكل احجار الموزاييك ، هو جانب مأخوذ من جانب معروف عند المعماريين ، ولهذا السبب يبدو وكأن شكلا زخرفيا ما موجود في أشكال اللوحات .وتبدو في كثير من أعمالها متأثرة بالعمارة الإسلامية بشكل خاص ، آخذة بأسلوب اللون من زخارفها ، وهي وإن كانت لا ترسم الزخرفة بذات الزخرفة ، إلا أن طريق تنفيذ الشكل الزخرفي هي تقترب منها مريم في رسم الأشكال في اللوحة بصفة عامة .
من يذهب إلى عالم مريم الزدجالي ، يشهد توزيعاً لأوتار ريشتها على سطح اللونة جمالاً ونقاء ، تقول ما تريده دون أن تجرح بصيرة أحد .. فهدوؤها حاضر وإن غضبت ، وكأن لسان حال لونها يقول : لن تسمعوا صرخات تزعجكم ، فمن رسمتني كانت .. قيثارة لون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى