مسرحية «الجلسة» لمناضل عنتر … صراع راقص مع «العفاريت»

يسري حسان

نظلم عرض «الجلسة» الذي كتبه وأخرجه مناضل عنتر لفرقة «مسرح الطليعة» في القاهرة، إذا انصرفنا فقط إلى عيب هنا أو هناك في الدراما، وتجاهلنا عناصر وتقنيات أخرى احتشد بها وكانت عوناً له على الصمود وإثارة الجدل من حوله.
صحيح أن الدراما هي العمود الفقري للعرض المسرحي سواء أكان كلامياً أو حركياً أو جمع بين الاثنين، ومن دونها يمكن أن ينهار تماماً، أو على الأقل لا يحقق غايته على النحو الذي أراده صناعه، لكننا هنا أمام تجربة خاصة وجديدة بالنسبة إلى المخرج، وإلى المسرح المصري ذاته.
عرف عنتر بشغفه بالعروض الراقصة أو الحركية عموماً، وقدم أعمالاً عدة في هذا المجال آخرها «الفيل الأزرق» عن رواية بالاسم ذاته للكاتب أحمد مراد.
لكنه هذه المرة سعى إلى الجمع بين الكلام والرقص وتوسيع دائرة جمهوره، فكانت «الجلسة» التي كتبها وأخرجها، ووضع أسفل عنوانها عبارة «شُغل عفاريت». هو «شغل عفاريت» بالفعل، سواء لجهة أداء الممثلين، أو من حيث الأجواء التي قُدّم فيها، فموضوع العرض، هو إغواء الشيطان للإنسان. اختار عنتر رجلَي دين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي، ليدخلا معاً في صراع ضد الشيطان، وينتهي الأمر بانتصارهما وتخليص فتاة كان قد أغواها، وإن ترك الباب مفتوحاً لمزيد من الإغواء ومزيد من الصراع الذي لا شك في أنه سيستمر ما استمرت الحياة.
هذه هي الفكرة التي دار حولها العرض، وهي، على رغم حسن نيتها، لم تسلم من سذاجة أحياناً وربما تسطيح في المعالجة، لا تغفره سوى إجادته في عناصر أخرى، وكذلك جرأته في تناول موضوع شائك. إذا كان الموضوع «شغل عفاريت»، فإن الأداء التمثيلي لشباب «مسرح الطليعة» (ميدو عبدالقادر، طه خليفة، فهد إبراهيم، إيمان غنيم، حسن نوح، مارينا مجدي، أحمد عادل) جاء استثنائياً، فمع أن الماكياج حجب وجوه غالبية الممثلين، بدوا كأنهم راقصون استعان بهم المخرج لتقديم العرض. وقد عمل مناضل عنتر على هذه المجموعة فترة طويلة لإعداد العرض الذي يمزج الحركة بالكلام مستعيناً بمصمم الرقص عمرو البطريق.
والمزج هنا يعني أن الممثل يؤدي جملته أو مشهده الكلامي ليس من الحركة المسرحية المعتادة، وإنما بأداء حركي مختلف عما اعتدناه متوسلاً تقنيات المسرح الراقص، وصانعاً بجسده تشكيلات جمالية مبهرة، وجامعاً بين هذه وتلك «الرقصة والكلمة»، ما يشكل عبئاً كبيراً على الممثل غير المتمرس أو غير المدرب، وهي منطقة غير مطروقة في المسرح المصري، ما أعطى العرض تميزه واختلافه، وأثار كذلك الكثير من الجدل حوله.
ولا بد من الإشارة إلى منصة التمثيل التي صمّمها مهندس الديكور والإضاءة عمرو الأشرف في قاعة «الطليعة» على شكل شبه هرمي، وأحاط القاعة بكتابات مبهمة تمثل طلاسم ورسوماً تشير إلى عالم غرائبي، منقوشة فوق «بانر» شكَّل بدوره حائطاً وهمياً، فيخرج ممثلو أدوار الشياطين من أسفل المنصة وكذلك من أسفل مقاعد الجمهور، ويخرج بعضهم من الجدران الوهمية المحيطة بالقاعة، في ما يرمز إلى طبيعتهم المختلفة.
يدخل الجمهور وسط إضاءة خافتة وهمهمات مبهمة يطلقها الممثلون الذين يمارسون أيضاً ألعاباً غريبة، ما يهيئ المشاهد للدخول مباشرة إلى عالم لم يعتده، فيه مقدار من الغموض والإثارة، وربما الرعب.
لعبت الملابس التي صمَّمتها مروة عودة، وكذلك الماكياج الذي صمَّمه إسلام عباس دورين مهمين في تصوير عالم الشياطين وفي دعم الصورة المسرحية التي شكَّلتها أجساد الممثلي، وكذلك في إضفاء حالة من الدينامية على القاعة المحتشدة بكل ألعاب المسرح، وكان الماكياج خصوصاً أحد أهم عناصر صناعة الصورة في العرض.
ربما يرفض البعض هذه النوعية من العروض باعتبار أن المسرح ليس المكان الأنسب لمناقشتها، لكن المسرح في جوهره يعني الحرية، وبالتالي علينا التعامل مع ما هو كائن ومناقشته، والكائن هنا فيه مقدار من السذاجة، سذاجة المعالجة، إلا أن فيه أيضاً مقداراً من الحرفية والمهارة والجهد والمغامرة لا يمكن تجاوزه أو أخذه بذنب عناصر أخرى ربما استوت واشتد عودها في مرات مقبلة.
عرض «الجلسة» بما فيه من إخفاق ونجاح يشكل «انحرافة» محمودة لشباب المسرح المصري، لا تضع في حساباتها شيئاً سوى محاولة تقديم فن مختلف لا يقتفي أثر الآباء ويحاول شق مجراه الخاص، وهو شرف يكفيه.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى