«من قرطبة إلى كوردوبا» … تحية إلى مجد أندلسي غابر

الجسرة الالكترونية الثقافية-الحياة اللندنية-

حط معرض الصور الفوتوغرافية «من قرطبة الى كوردوبا» الرحال قبل أيام في معهد ثيربانتيس في الدار البيضاء، بعدما بقي في الرباط 25 يوماً، على ان يواصل التجوال عبر قافلة فوتوغرافية في مدن مغربية أخرى من بينها مراكش وتطوان وطنجة وفاس، وذلك إلى 28 أيلول (سبتمبر) المقبل.

ويزخر المعرض الذي تقيمه مؤسسة «البيت العربي» في إسبانيا بلوحات فوتوغرافية مبدعة لمآثر تاريخية تتصل بقرطبة وما جاورها، تعود إلى الفترة الإسلامية في المدينة ذات التاريخ الأندلسي العريق التي أعلنت عام 1994 أنها إرث إنساني، وهي معروفة عالمياً بماضيها العربي الإسلامي. هذه المدينة التي كانت من قبل رومانية فبيزنطية فقوطية غربية، توصلت في عهد الأمويين إلى درجة من التنمية المعمارية والثقافية جعلت منها إحدى المدن الأكثر أهمية في العالم، وتشهد على ذلك معالم معروفة بروعتها كالمسجد/الكاتدرائية والمجمع المعماري لمدينة الزهراء، وهما مثالان بارزان عن المعمار العربي في إسبانيا.

وأكد المدير العام لمؤسسة «البيت العربي» إدواردو لوبيز بوسكيتس أن كل الصور المشاركة في المعرض فائقة الروعة، وهو يتضمن أفضل 50 صورة فائزة بمسابقة «من قرطبة إلى كوردوبا» التي نظمها «البيت العربي» العام الماضي بهدف إحياء التراث الإسلامي في المدينة الأندلسية التي باتت تعرف باسمها الإسباني كوردوبا.

ومن بين الصور المعروضة نجد أعمال الفائزين بالمسابقة: خوسيه كارمونه مونخي، صاحب «المحراب»، ونال جائزة الفئة الأولى لأحسن صورة فوتوغرافية، أنتونيو رويس غيريرو، صاحب «كائنات صغيرة» ونال جائزة الفئة الثانية «مدينة الزهراء»، مارتا تروخيجو رودريغس، صاحبة «برج القلعة الحرة»، جائزة الفئة الثالثة «الأسوار والأبواب والأبراج المحصنة والنسيج الحضري»، المصوّرة نفسها، صاحبة «مئذنة سان نيكولاس دي لا فيلا»، جائزة الفئة الرابعة «المآذن»، مانويل غوتييرس غيريرو، صاحب « عطور بين الصخور»، جائزة الفئة الخامسة «الحمّامات العربية»، خوسيه أنتونيو غروويسو ألكانترا، صاحب «في اكتشاف قرطبة»، جائزة الفئة السادسة «الفن المدجّن، آنتونيو رويس غريرو، صاحب « توريخوس»، جائزة الفئة السابعة «موضوع حر».

وكان «البيت العربي» قد نظم «من قرطبة إلى كوردوبا» في عواصم دول عربية بعد إقامته في قرطبة بين نيسان (أبريل) و أيلول (سبتمبر) 2012، في تحية إلى الإرث العربي المتنوع والغني في هذه المدينة والمنتمي إلى المرحلة الأندلسية. كما يبرز المعرض مجموعة متنوعة من التفاصيل الزخرفية الشاهدة على ماضي المدينة، مثل البيوت والأبواب والأبراج والمنارات والحمّامات، بما في ذلك أمثلة عن الفن المدجن، كونه آخر نمط معماري في شبه الجزيرة الإيبيرية، متأثراً بالأندلس ومستوحى منه.

وقال رافائيل الباحث في جامعة كوردوبا بلانكو غوثمان، إن قرطبة تحولت عقب الفتح الإسلامي عام 711 من كونها مكاناً ثانوياً في شبه الجزيرة الإيبيرية إلى دعاصمة الأندلس. وفي السنوات الأولى من فترة الحكم التابع لخلفاء دمشق لم تحدث تغييرات عمرانية كبيرة بل أعيد استخدام المباني والبنى التحتية الموروثة، ومن بينها الجسر والفضاء الروماني المسوّر أو القصر القوطي. وأضاف أنه في أواسط القرن الثامن فر الأمير الأموي عبد الرحمن الأول من المشرق أيام حكم العباسيين ليستقر في الأندلس، وفي قرطبة أسس إمارة جديدة مستقلة (756)، وشرع في عملية «أسلمة» حقيقية للمدينة من خلال معلمَين واضحين هما قصر أميّة ومسجد الجامع الكبير، ومثل كلاهما انعكاساً للتغييرات الجديدة التي شهدتها المدينة، والتي شملت تكثيف العمران والتوسع باتجاه الخارج من خلال الضواحي المتشكلة حول بعض البؤر الجاذبة كالقصور، وهذا ما حدث مثلاً في الرصافة التي بنيت شمال غربي المدينة والتي استخدم فيها عبد الرحمن تصميماً مماثلاً للزيتونة، مقر إقامة جده الخليفة هشام.

وأضاف غوثمان أن عبد الرحمن الثاني أنجز أول توسيع رئيسي للمسجد باتجاه الجنوب الشرقي (840 -848)، فيما أعلن عبد الرحمن الثالث خلافة قرطبة الأموية، فتسارعت وتيرة التغيير السياسي والديني والنمو الحضري للمدينة لتصبح واحداً من أهم المراكز الحضرية في العالم لا نظير له على مدى قرون عدة سواء في أوروبا أو في الغرب الإسلامي.

وفي النصف الثاني من القرن الثاني عشر شهدت قرطبة حركة إحياء عمرانية تحت حكم الموحدين، ومع هذه السلالة الثانية القادمة من شمال افريقيا حدث تكثيف حضري داخل القطاعات المسوّرة وعاد التوسع خارج الأسوار ليشمل جزءاً من الضواحي الأموية القديمة. وبقيت المدينة في تلك الأزمنة المتأخرة أحد المراكز الحضرية الرئيسية في الغرب ومعلماً ثقافياً أساسياً ومهداً لمشاهير الحكماء كابن رشد وابن ميمون.

وفي الثلث الأول من القرن الثالث عشر أضعف تداعي حكم الموحدين من ناحية وتقدم المسيحيين من ناحية أخرى، المدينة حتى أمكن غزو قرطبة عام 1236. لكن حدوث تحولات منطقية في المدينة المسيحية لم تمنع احتفاظ قرطبة بعناصر كثيرة من الحضارة الإسلامية التي لا يزال بعضها قائماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى