مهرجان العالم العربي في مونتريال… الموسيقى توحّد

علي حويلي
اختُتمت الدورة السابعة عشرة لمهرجان العالم العربي في مونتريال تحت شعار «الغسق». واشتمل المهرجان الذي امتدّ من 29 تشرين الأول (أكتوبر) الى 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، على عشرات العروض الموسيقية ورقص وغناء وأفلام ومحاضرات ثقافية وفكرية. وشارك فيها فنانون وباحثون ومثقفون من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
لم يعد المهرجان، كما كان في انطلاقته الأولى، مبادرة فردية أو مغامرة فنية أو احتفالية اغترابية تقتصر على بعض الاستعراضات الغنائية والموسيقية. فقد بات اليوم حدثاً فنياً ومهرجاناً يضاهي مهرجانات مونتريال العالمية في برامجها وتنوعها ومواعيدها وجمهورها. وأصبح المهرجان مؤسسة كندية فنية ثقافية عربية اغترابية هي الأولى من نوعها في الشمال الأميركي، إذ تستقطب أشهر الفنانين العرب الذين يتحاورون عبر الكلمة والصوت واللحن والحركة والإيقاع، فيستحيل لقاؤهم منتدى عالمياً لفنون الشرق والغرب وثقافاتهما.
ويعزى نجاح المهرجان ليس الى كونه «أيقونة فنية في ذاكرة مونتريال» فحسب، وإنما الى ديمومته وتجدده وانفتاحه واتساع آفاقه وقدرته على سد الفراغ الفني الثقافي العربي المزمن في المغترب الكندي.
تعاقب على المشهد الفني عدد من مشاهير الغناء والموسيقى، الذين توزعوا على عدد من الصالات والمسارح في مونتريال، بينهم مغاربة وجزائريون وتونسيون ولبنانيون ومغنون مقيمون في الاغتراب.
ومن أشهر المشاركين، الفنان التونسي لطفي بوشناق الذي أحيا سهرة جامعة وحّدت جمهور المغاربيين، بأسلوبه الراقي في الغناء وصوته الدافئ القوي وعزفه على العود المصقول بالزخارف الموسيقية المتنوعة المصرية والخليجية والبدوية، والمقامات العراقية والأغاني الصوفية والراب والروك. فمزج بتقنية بارعة الكلاسيكي بالحديث والعاطفي بالسياسي، بخاصة في أغنيته «خذو المناصب» التي لاقت إعجاباً كبيراً لمناصرته الفقراء والشرفاء ممن لم تتلوّث نفوسهم وأيديهم بالسرقة والكذب والنفاق.
ولخّصت صحيفة «لو دوفوار» الصادرة في مونتريال، سهرة بوشناق بقولها: «قدم لعشاقه المغاربيين والعرب أمسية راقية عذبة بعيدة من الثرثرة، غنية بمضامين العدالة الاجتماعية والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان».
ولمعت المؤلفة والملحنة ومغنية البوب الجزائرية أمل زان. فغصت القاعة بمحبيها ومعجبيها من جيل الشباب، الذين قدمت لهم حفلة موسيقية جذابة تمزج التأثيرات الغربية بأنماط من الريغي والفلامنكو والروك والشعبي والبوب وايقاعات القبائل والألوان الأندلسية والأغاني المفعمة بالحب والحنين والأمل.
وشهد المهرجان حفلة مشهودة للفنانة التونسية درصاف الحمداني، التي غنت للفنانة الفرنسية باربارا والفنانة اللبنانية فيروز، وتشابكت لغتا الضاد وموليير في حوار رومانسي جذاب تقاطعت أنغامه على وقع ورشة موسيقية تبارى فيها العود مع الأكورديون والغيتار والكمان والطبول.
وتألقت على المشهد الفني المشرقي، الفنانة اللبنانية عازفة العود لمياء يارد، فقدمت ليلة من ليالي العصر العثماني. ونقلت الجمهور في رحلة فنية تاريخية امتدت من حلب الى اسطنبول. ودخلت بألحانها أعماق التقاليد الموسيقية الحلبية التي كانت سائدة في عهد السلطنة العثمانية، كالصوفية والتركية والسريانية والبيزنطية والموشحات الأندلسية.
وترددت في الأجواء السورية أيضاً، أصداء ملحمة موسيقية أسطورية تشهد على بقايا مدينة تدمر الحزينة في قلب سورية، التي شهدت عبر القرون تعاقب العديد من الحضارات والأعراق والثقافات والأديان. هذا المشهد المأسوي رافقته المغنية والملحنة اللبنانية عبير نعمة، والفرقة الموسيقية الكندية «أوكتو إيكو» في مسار استثنائي جمع ألواناً من التراث الموسيقي الآرامي والسرياني والبيزنطي والفارسي والعربي. وتخلله حوار غنائي موسيقي يضج بالطقوس الصوفية المملوءة بمواويل الدراويش والموشحات.
يُذكر أن منظمي مهرجان العالم العربي أتاحوا لبعض مطربي الاغتراب الكندي (غادة كساب وشادي نداف وثائر ملكو) المشاركة في برنامج «الخالدون». فأحيوا سهرة استمرت حتى مطلع الفجر، تخللتها مجموعة من الأغاني الكلاسيكية العربية لأم كلثوم وكارم محمود وأسمهان ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفيروز ووديع الصافي.
(الحياة)