مورا في مدريد

“مورا في مدريد” كتاب صادر عن دار لوسيل للنشر بالدوحة للكاتبة نوال السباعي. يحكي هذا حكاية “غربة سورية” ضمن غربات متداخلة متراكبة، تمتد من دمشق مرورًا بغرناطة وصولاً إلى مدريد، ما بين عامي 1985 و1995م -أواخر القرن العشرين- بكل ملابسات الغربة (السياسية والثقافية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية والدينية والإنسانية)، من خلال “بعض” سيرةٍ ليست “ذاتية”، وإنما “سيرة جماعية” لا حدود تفصل فيها بين الخاص والعام، تتشابك فيها السير والشخصيات والأحداث، تراوح ما بين الواقعي والتركيبي، لتنسج من وجهة نظر الكاتبة نبأ حياة شريحة هامة جدًا من المغتربين لم يتحدث باسمهم أو يكتب عنهم أحد.
ليس هذا الصوت الأنثوي الذي يقوم بالسرد بصيغة “الأنا” إحدى شخصيتي الكتاب الرئيسيتين، ولا هذه الذاكرة الجماعية التي تَستعرض الأحداث والحوارات.
شخصيتا الكتاب الرئيسيتان هما: “الغربة” – كل “غربة”-، و”المورا” -كل “مورا”-!.
كل “مورا” تعيش في مدريد، أو في أي مدينة أوروبية كمدريد، بمعاناتها.. بذكرياتها.. بمقارناتها.. بواقعها.. بتطلعاتها.. بانتمائها.. وباعتبارها “ممثلةً” عن كل الغرباء الآتين من ذلك الشرق القريب المجهول، أو هذا الجنوب الملاصق البعيد، أولئك الغرباء رجالاً ونساءً، المرفوضون المعَذَّبون، حيث تختلط معاني لفظ “عربي” بلفظ “مسلم” ، ولفظ “مهاجر” بلفظ “مُهان”، أربعة كلمات ترسم حدود هذا الوجود الجديد الذي يتمثل في دلالات كلمة مصطلح “مورو”.
وجودٌ موجع، حيث يتمدد سرطان الغربة في الروح، يعشعش فيها كشجرة صبّار، بعطشها وأشواكها، كما بأزهارها الإفريقية المدهشة الزرقاء والأرجوانية.
هكذا تزهر الغربة من حيث ندري ولا ندري، لتصبح هوية، كتلك التي تفرضها كلمة “مورو”.
هوية جديدة مركبة شائكة، متعددة الأبعاد، مغلِقة أضلاعَها علينا وكأنه لا أمل في انخلاعٍ أو خلاص.
أصبحت غربتنا في رحلة بحثنا عن الهوية.. “هوية”. هوية طالما شكّلت في المهجر معضلةً.. غولاً يفترسنا.. نشعر به ولا نراه.. نلمسه ولا نستطيع استيعاب وحشيته وقدرته على الابتلاع والتمزيق .
ولكن.. ودائمًا.. وعلى الرغم من إطباق جدران هذا السجن المرفوعة من صخور الكراهية، وإسمنت الحقد، وقضبان العنصرية.. نجد في آخر الدرب كوّة النور، تودي بنا إلى التحرر والتحليق في سماء الخلاص الزرقاء المرصعة بآلاف النجوم الذهبية والوردية، تزهر في القلوب الملأى بالجمال، وفي الضمائر الإنسانية الحية.