نظرة ثانية على الفيلم: المدينة لحظة انفجارها

أحمد باشا

حقق المخرج السويدي المصري الأصل طارق صالح (45 عاماً) مع فيلمه الثالث «حادث هيلتون النيل» (110 د، 2017) حضوراً طيباً، في الفترة الأخيرة بدءاً من حصوله على جائزة «لجنة التحكيم» ضمن الدورة الأخيرة لـ «مهرجان صندانس السينمائي»، مروراً بتسجيله مشاركات عديدة ضمن مهرجانات السينما حول العالم.
كما يحظى الفيلم باستقبال طيب اليوم، مع استمرار عرضه في صالات السينما الفرنسية، بعنوان «القاهرة السرية». هذا هو الفيلم المصري الثالث الذي تعرضه الصالات الفرنسية في الأسابيع الأخيرة بعد «علي ومعزة ابراهيم» لشريف البنداري و «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد، وتمكننا ملاحظة انتماء كل واحد منهم إلى نوع سينمائي وأسلوب إخراجي مختلف، مع تأكيد التباين في المستوى الفني.
ينتمي عمل «حادث هيلتون النيل» إلى الأفلام البوليسية التي تشكل فيها الجريمة محركاً أساسياً لأحداث الفيلم ولمصائر شخصياته التي تتحرك ضمن عوالمها الخاصة من عنف وتحقيقات جنائية وجنس ومخدرات وخيانات وغموض… إلخ. هذا النوع السينمائي قليلاً ما نعثر عليه في سينماتنا العربية، ونادراً ما نجد عملاً يحاول تصوير هذه العوالم دون الوقوع في فخ التجاري أو تسطيح الشخصيات فتبدو وكأنها هكذا مدمنة جريمة وعنف دون بنية نفسية محددة وخاصة بها.

عالم الجريمة
يروي «حادث هيلتون النيل» حكاية جريمة يتولى المحقق نورالدين (فارس فارس) مهمة التحقيق فيها. تُقتل فنانة لبنانية داخل غرفتها في أحد الفنادق يوم الخامس عشر من كانون الأول (قبل انطلاق الثورة المصرية بعشرة أيام)، تتطور التحقيقات ويتضح تورط أحد كبار رجال الأعمال وعضو مجلس الشورى، حاتم شفيق (أحمد سليم) في الجريمة. يحاول الأخير، الصديق الشخصي لابن الرئيس، تضليل التحقيقات وقتل وتهديد كل من يدينه في هذه الجريمة.
وهكذا يمضي الأمر مع مرور عشرة أيام حتى الوصول إلى آخر الفيلم حيث لا عقاب يطال القاتل الذي يذهب حراً طليقاً في آخر أيام الفيلم (يوم الثورة المصرية).
انطلاقاً من حدث الجريمة التي تحاول السلطات طيّها وإغلاق ملفها بسبب الرشوة والفساد الذي نجده ينخر مؤسسات الأمن والشرطة والجيش والقضاء في مصر مبارك، تبدو محاولة البطل الوقوف في وجه هذه الجريمة الوقحة مجرد دليل على الوصول إلى حد لا يطاق ولا يحتمله كائن بشري، مع العلم أنه يعمل منذ سنوات طوال في ذات المنصب. نورالدين ليس بطلاً أخلاقياً أو مثالياً. هو ضابط شرطة فقير ومرتشٍ، نجده في كثير من مشاهد الفيلم يأخذ رشوة ويضعها في جيبه من دون أن يكترث أو يبالي.
يتميز الفيلم بهدوء الأداء وابتعاد ممثليه تماماً من المبالغات والصراخ والانفعالات المجانية التي نجدها في معظم الأفلام المصرية التي تعالج موضوعات مشابهة. تجدر الإشارة هنا إلى شخصية نورالدين المنسوجة بشكل جيد، والتي استطاع الممثل السويدي اللبناني الأصل فارس فارس (44 عاماً) تأديتها بتأن واضح وبالاشتغال مع مخرج العمل على أبعادها النفسية والاجتماعية، ردات فعله جاءت هادئة وحركته ضمن الكادر مدروسة، وإن كان يؤخذ عليه عدم إتقانه اللهجة المصرية بشكل كامل.
يعاني الفيلم من مشكلة أساسية تكمن في مرحلة تطوير السيناريو الذي يبدو في مواضع عدة داخل الفيلم وكأنه يلهث نحو الحدث أو الفكرة فقط، من دون التأسيس أو التمهيد لها، ما قد لا يبرر أحداثاً أو سياقات موجودة في الفيلم، أو ما قد يجعل مقولة الفيلم والرؤية العامة تبدوان وكأنهما غير واضحتين في أذهان صناع الفيلم.
على سبيل المثل تزامن الحكاية الأساسية مع أحداث الثورة المصرية، وموضوع عشوائيات السودانيين وأحوالهم في مصر وعلاقات الفنانات، وغيرها من الخيوط الدرامية التي كانت يتوجب تطويرها بشكل أكبر.
يظهر الفيلم الطبقة السياسية وطبقة تجار الأعمال إلى جانب أجهزة الشرطة والأمن مافيات تتعايش على بعضها وتعيث فساداً بهذه البلاد، ما يزيل الحواجز والدوافع الأخلاقية فيبدو الارتهان لسلاحها ولسلطتها أمراً طبيعياً، وإن محاولة كشفها، وليس مجابهتها، تغدو ضرباً من ضروب الجنون. فمع كل دليل جديد نكتشف تورط مجموعة جديدة من سلك الدولة وهكذا وكأننا ندور في حلقة مفرغة لا تنتهي، وكأن الحديث عن إصلاح مثل هذه الأنظمة المافيوية ضرب من ضروب السخرية المرة ليس إلا. للسبب السابق ينتهي الفيلم بيوم الثورة والناس التي تسير إلى الأمام.

أزمنة لا تنتهي
«حادث هيلتون النيل» فيلم يحكي عن أزمنة لم تنته بعد، أزمنة تبيح فيها المافيات الحاكمة والمالكة حرمة الخير العام، وتؤثر تأثيراً عميقاً في المنظومة الأخلاقية التي تحيل المواطنين إلى أفراد يتجنبون شرور هذه المافيات، فيتحول السؤال النبيل عن العدالة ومعناها إلى سؤال عن الحماية الشخصية أو عن التوازن مع كل هذا الرعب. هنا يأخذنا طارق صالح إلى رؤية أكثر راديكالية وأكثر راهنية على ساحة الممارسة السياسية عربياً؛ مفادها بأن الأصوات التي تدعو إلى التغيير من القواعد نحو الأعلى، ضمن كل الفساد الذي ينخر بنية هذه الأنظمة، تفيد وتثبت حكم هذه المافيات إن لم تدنها وتجرمها وتعتبرها مسؤولة بشكل أساسي عن كل هذا الرعب.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى