هل فقد مهرجان قرطاج للسينما بريقه؟

عبد الرحيم الخصار
بدو أن مهرجان قرطاج السينمائي الذي اختتم مساء السبت الماضي ـ وعادت جائزته الكبرى إلى الفيلم التونسي «زينب تكره الثلج» للمخرجة كوثر بن هنية ـ عرف واحدة من أسوأ دوراته، فقد وُوجه بالكثير من الانتقادات المتعلقة بالجانب التنظيمي. وكانت دموع الممثلة الجزائرية المعروفة بهية راشدي وهي تحتجّ على إهانة الوفد الجزائري كافية لتكوين صورة سيئة عما آل إليه واحد من أعرق وأهمّ المهرجانات السينمائية العربية. فقد تداولت الكثير من مواقع الإعلام فيديو لراشدي وهي تصف الأشكال السلبية لتعامل المنظمين مع أعضاء الوفد الذي يــمثل الجـــزائر هذا العام، ملقية باللوم على رئيس المهرجان.
ففضلاً عن تجاهل أعضاء الوفد سواء من لدن اللجنة المنظمة، أو من لدن الإعلام التونسي طولب منهم في حفل الاختتام الجلوس في الصف الأخير على مقاعد بلاستيكية تناسب تذاكر «الدرجة الثالثة» التي يحملونها.
وفد الجزائر
احتجاج بهية راشدي الفنانة التي تحظى بتقدير كبير داخل الجزائر تمّ الانتباه له متأخراً ليطالب وزير الثقافة التونسي الجهة المنظمة بتقديم اعتذار علني لها ولضيوف الجزائر، مع وعد بتكريمهم في الدورة المقبلة من أيام قرطاج المسرحية التي تنطلق بعد أيام.
ولم تكن قصة الوفد الجزائري هي الحدث السيئ الوحيد هذه السنة، فحفل الافتتاح لم يكن في مستوى توقعات المعنيين بالفن السابع سواء داخل تونس أو خارجها، حيث عرض الفيلم الافتتاحي «زهرة حلب» في قاعة غير مؤهلة تنقصها التجهيزات، مما جعل مخرج الفيلم رضا الباهي يصف الإدارة بـ «سوء التنظيم»، مشيراً إلى أن هذه الدورة كانت في «مستوى لا يليق بمهرجان عمره 50 سنة».
وفي السياق ذاته انتقد المخرج مختار العجيمي ما عرفه الجانب التنظيمي من فوضى، حيث كان الكثير من المدعوّين الذين لا علاقة لهم بالسينما في الصفوف الأمامية، بينما وجد المهنيون من أهل الفن السابع أنفسهم خارج القاعات.
ولهذا السبب وجه راضي تريمش أحد أعضاء الهيئة المسيّرة للمهرجان انتقاداً عبر وسائل الإعلام التونسية إلى رئيس المهرجان يتّهمه بتبذير المال العام، حيث وجّه دعوات خاصة إلى أكثر من مئة ضيف لا يعرف منهم تريمش إلا خمسة. كما انتقد انفراد الرئيس باتخاذ القرار.
ارتباك
وفي تصريح خاص بـ «السفير» عبّر الناقد والإعلامي التونسي عبد الدائم السلامي عما عرفه المهرجان من ارتباك، مشيراً إلى أن الدورة الأخيرة منه كشفت عن «تهافُتِ وَعْيِ مديره بمسألة استقلالية الفعل الثقافي والفعل السينمائي منه خاصّة، وسعيه – ببلاهةٍ أو بمكرٍ- إلى إخراج هذا المهرجان من صفته الوطنية إلى صفةِ «الوليمةِ الشخصية»، حيث دعا إليها الأحبابَ والأصحابَ، بل إنّه قد حوّلها إلى دورة لتكريم الرئيس التونسي (لم أجد سبباً واحداً وجيهًا يُبرّر تسليم مدير المهرجان التانيت الذهبي إلى الباجي قائد السبسي، هل يشاهد الباجي السينما؟)، وإلى دورة للاستخفاف بالوفد الجزائري واحتقاره على حدّ ما عبّرت عنه الفنانة بهيّة الراشدي بدموعها الحارّة، وإلى دورة للسفير الفرنسي يدبِّرُ بلياليها ما يُفسِدُ به بهاءَ نهاراتها».
استغراب السلامي من تدخّل السبسي سببه أن السينما في تونس كانت المجال الذي يلتقي فيه المناضلون ومعارضو السلطة، لا فضاءً لتدخلات رجال السياسة، ويتساءل السلامي عما قدّمه ابراهيم اللطيف مدير المهرجان لتونس وللسينما التونسية حتى تمنحه فرنسا وسام فارس الفنون والآداب، حيث قدّمه له السفير الفرنسي بتونس خلال أيام المهرجان.
تكريم
ويعزو عبد الدائم السلامي ما وقع في مهرجان قرطاج إلى ما يعرفه المشهد الثقافي التونسي عموماً من ارتباك «لا يعود إلى طبيعة المنجَزِ الثقافي نفسه وإنّما عِلّتُه الكبرى هي تلك (الشللية) التي تخترق جهازَ تسييرِه وتُفسِد كلّ لذاذاته الممكنة. الذين يحكمون المشهد الثقافي الآن هم أناس نالوا مناصبَهم، لأنهم من صحبة الوزير أو من صحبة أحد مستشاريه، أو من خُدّام الأحزابِ الحاكمة أو من الذين يقفون دومًا مع الواقف، وللتثبّت من ذلك اسألوا مثلاً عن طبيعة أولئك الذين أُسنِدت إليهم إدارة مهرجانات المسرح والسينما والأغنية ومعارض الكتاب».
وعرفت ليلة الاختتام التي افتتحتها الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة تكريم عدد من الأسماء السينمائية المهمة، حيث منح رئيس الجهورية وسام الاستحقاق الثقافي من الطبقة الأولى للمخرج السوري محمد ملص والممثل المصري جميل راتب، والمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيسوكو، والمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، والمخرج ادريسا وادراجو من بوركينا فاسو، والمخرج التونسي رضا الباهي، والكاتب التونسي محمد الخليفي.
(السفير)