أثر الواقعية في أعمال التشكيلية اللبنانية زهراء حمود

محمد البندوري

يتجه المنحى التشكيلي للفنانة زهراء حمود نحو الأسلوب الواقعي المدعم بالوظائف البنائية، التي تسمح بالاشتغال وفق مقومات تعبيرية تُميزُها البساطة في تدريج اللون وتركيب الشكل، فتدجج المساحات بكتل وركامات من اللون وجنسه، في وضعيات متنوعة، تحاول من خلالها النبش في المفاهيم المرادفة للفعل البصري المتحرك، مع العناية الفائقة بقيم السطح ووضع اللون بدقة، وهو مسلك عند كل الواقعيين.
إن أعمال الفنانة زهراء تعكس مجريات الحياة بواقعية يكتنفها الترميز أحيانا، والتعبير بصيغ الإيهام والإيحاء أحيانا أخرى، فنظرتها إلى الواقع لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الزمن برؤى واقعية مليئة بالوقائع التي يشكل البورتريه أحد أهم أساليبها التشكيلية.
وعملا بالقاعدة النقدية؛ فاعتماد الشخوصات باعتبارها مادة واقعية، واعتماد اللون والشكل باعتباره مادة أيقونية يفصح عن مفارقات تشكيلية بطرق تتبدى فيها البساطة وتكتنفها ـ في أحايين كثيرة ـ محدودية التعبير، بالإضافة إلى محدودية التقنيات، مما ينعكس على عملية إخراج المنظور وأبعاده بشكل غير متوازن، وهو كذلك ما يجعل من أعمالها إطارا تسجيليا بطبائع واقعية، تدخل في سياقات مختلفة، تصب كلها في نقل صور الواقع مع إضفاءات رمزية محددة تعكس نسبة التأثير.
كما أن استعمال وسائط مادية يقلل من أهمية الإبداع التشكيلي في الفن الواقعي، ويقلل من أهمية الرسائل الفنية لإنتاج رؤى وتصورات مغايرة تتماشى مع متطلبات العمل الواقعي المعاصر.
فالعمل التشكيلي يتطلب قوة الأشكال التعبيرية، وتعدد الرؤى والدلالات، التي تنتج عن مناحي فنية متعددة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أعمال الفنانة زهراء حمود وإن تبدت فيها البساطة، فإنها تحتوي أشكال الحياة والواقع، وهي تعبيرات حتمية تنبع بصدق من نفسية المبدعة بعد أن تنسجها بإلهامها في أشكال تعبيرية تقارب بها الواقع في أساليبه المتنوعة، وتقارب بها كذلك ماهية العمل الفني بالمادة البصرية التي تشكلها عين القارئ، وهو ما يصنع نوعا من الانسجام بين مختلف العناصر ويقلل من حدة الفارقية التي تنتج عن بعض الاستعمالات المحدودة.
إن واقعية أعمال الفنانة زهراء تجعل من الموضوعات التي تشتملها تتوافر فيها الرؤية الموضوعية للحياة، وتتبدى فيها تجليات الواقع في مختلف تجلياته.
ولا شك أن عملية بناء الفضاء على أسّ واقعي يدفع بالمبدعة لأن تبرز المادة التشكيلية في شكل وجودي يتعمد إشراك الحس الشعوري والعنصر البصري للقارئ، ما يكلفها الكثير من الدقة والمهارة والتوظيف التقني ووضوح الصياغة الفنية، بما يوازي التمظهر الفني للمظهر الواقعي، فإنها في خضم ذلك تتوفق في عملية المعالجة وإبراز العمل الفني في رونق وإبداع، وفق ما قادته إليها تجربتها التشكيلية وحساباتها الموفقة للعب دور فعال تشكيليا، من خلال التعبير الصادق بكل أشكال البورتريه، وهو ما يمكنها فعلا من وضع أثر للعمل الواقعي في منجزها التشكيلي.
ويسهل إرساء هذا الأسلوب وتثبيته على هذا النحو، الشيء الذي يحيل إلى معارف متنوعة تروم التعبير العميق عما هو مخزون في دواخلها من انفعالات وأحاسيس ذات رسائل معينة، تتحقق فيها القيم الفنية من خلال كيفية وضع العناصر أو المفردات التشكيلية، التي تؤدي إلى جانب وظيفتها في البناء أدوارا أكثر جمالية، وإذا كانت الفنانة ترتبط بوضع هذه العناصر على مسطح العمل الواقعي، فإنها ترغب في تحقيق القيم الفنية الكاملة التي تمثل اللغز الجمالي والدلالي الذي يتطلب مراعاة كيفية الإنجاز التي تقود إلى الهدف الذي يؤثر في القارئ ويحقق له المتعة. ويتبدى أن الفنانة زهراء لها من القدرات والمؤهلات التشكيلية ما يفي بهذا الغرض ويمتع القراء.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى