أسس أول صالة للفن التشكيلي في صنعاء : اليمني فؤاد الفُتيح: انقطعتُ عن المشهد الثقافي نتيجة ظروف بلادي

 

أحمد الأغبري

ينتمي فؤاد الفُتيح (1948) إلى جيل التشكيليين المؤسسين في اليمن، كما أنه من أوائل النحاتين اليمنيين في معالجاته الفنية لموضوع التراث، واستطاع في تجربته بالحبر الصيني ومن ثم تجربته اللونية، أن يحقق خطوات متقدمة في علاقته بثقافة المحيط واستلهام خصوصيتها؛ وهو ما مثل تطويراً لبدايات مبكرة في علاقته بالتراث والاشتغال على الهوية، ولعل تلك البدايات تشكلت بوضوح في نهاية الثمانينيات؛ وهو الاتجاه الذي تبلور مكتملاً في إعادة اكتشاف باطن المنظور التراثي، من خلال لوحة جديدة ممهورة بتوقيعه.
درس الفُتَيح الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة، والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، ونال دبلوم دراسات عليا في الفنون الجميلة في «أكاديمية دوسلدروف للفنون» في ألمانيا، مستهل سبعينيات القرن الفائت. شغل عند عودته لليمن في مستهل الثمانينيات مهام أول مدير عام للفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، وأسس أول صالة للفن التشكيلي في صنعاء ومن ثم المركز الوطني للفنون. منذ منتصف الثمانينيات ترك عمله الإداري في وزارة الثقافة، وتفرغ للفن، ويُقيم حالياً في مدينة عدن، إلا أن معارضه انقطعت في السنوات الأخيرة بسبب الأوضاع غير المستقرة في بلاده. يؤمن فؤاد بعلاقة متوازنة بين التراث كموضوع والمدارس الفنية الحديثة كأساليب ووسائل، وهو دائماً ما يبد انتقاده لواقع الفنانين في بلاده، الذين يتوزعون بين مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالمدارس الغربية، ومتقوقعين في سطوح تناولهم للتراث، في الوقت الذي يُفترض فيه أن ينشد الفنان رسالة الفن في تعبيرها الراقي عن هُوية الإنسان وموقفه من الحياة. هنا حوار «القدس العربي» معه خلال زيارته لصنعاء مؤخراً:

■ ماذا عن أعمالك الأخيرة؟
□ للأسف توقفتُ عن العمل الفني هذا العام ما عدا بعض رسومات أولية لأعمال مقبلة، عبارة عن استكشات لأفكار وأتمنى أن أنفذها قريباً.
■ لِمَ انقطعت عن المشهد منذ سنوات وتوقفت معارضك أيضاَ؟
□ لقد انقطعت عن المشــــهد الفني كغيري من الفنانين، نتيجة لظروف البلاد منذ ســـنوات، على الرغم من حصولي على دعوات لإقامة معارض في الخارج، لقد أصابني نوع من الإحباط اللامبالاة نتيجة وضع البلد وما يشهده من صراعات سياسية واقتصادية.
■ اشتغلت على مشاريع لتطوير واقع الحركة التشكيلية اليمنية منها: افتتاح أول صالة للفن التشكيلي في صنعاء ومن ثم افتتاح مركز للفنون وانتهاء بمحاولاتك تأسيس معهد للفنون وافتتاح مراكز ومراسم في المحافظات إلى أين وصلت كل تلك المشاريع؟
□ كانت سنوات عقد التسعينيات من القرن الماضي سنوات نشاط فني رائع في اليمن، وعملت خلالها لإنجاز مشاريع فنية عديدة، منها ـ كما ذكرتم ـ افتتاح مركز الفنون في صنعاء القديمة بداية عام 1990، وقبل ذلك كان افتتاح الصالة الأولى للفنون التشكيلية في صنعاء خلال الثمانينيات، التي كانت تقع في شارع مجاهد في صنعاء، ولقيت إقبالاً كبيراً وحضوراً واسعاً من الفنانين اليمنيين بأعمالهم ومعارضهم الشخصية، على الرغم من أنها كانت صالة صغيرة ومتواضعة، ففي كل افتتاح معرض فني كان الحضور من أغلب سفراء الدول الغربية والعربية، الذين كانوا يقتنون لوحات الفنانين الذين كانوا يعرضون أعمالهم فيها. وبالنسبة للمشاريع الأخرى التي لم أستطع إنجازها، مثل تأسيس معهد للفنون ومراكز فنية في المحافظات الأخرى ومراسم… فكل هذه المشاريع لم أستطع تنفيذها نتيجة عدم اهتمام الآخرين من مســـؤولي الثقافة، أو عدم وجود دعم مادي لديهم لإنجاز هذه المشاريع، على الرغم من ترحيبهم بهذه المشاريع، واعتقد أن ميزانيات الجهات الرسمية كانت محدودة لدعم مثل هذه المشاريع الثقافية، لذلك ركزت تفكيري وعملي بالتعاون مع بعض الفنانين اليمنيين على مركز الفنون في صنعاء القديمة، وأقمنا فيه أنشطة فنية رائعة ومعارض شخصية للفنانين، لاقت حضوراً كبيراً من الجاليات الأجنبية في صنعاء والسفراء العرب والأجانب. وأذكر أنه في بداية إقامة المركز حضر مستشار ألمانيا حينها لزيارة المركز… وشهد المركز حفلا أقمناه لرئيس البرلمان الألماني، حيث كان لألمانيا دور في الوقوف بجانب الحكومة اليمنية في إقامــــة وإعادة بناء وترميم مبنى مركز الفنون (سمسرة المنصورة) في صنعاء القديمة.
■ كيف تنظر، اليوم، إلى ما أنجزت خلال أكثر من أربعين سنة في محراب الفن؟
□ ما أنجزته خلال الأربعين سنة الماضية في محراب الفن يعدّ بالنسبة لي إنجازاً رائعاً، خاصة في العمل على تأسيس قاعدة للفن التشكيلي اليمني، والعمل على نشر الثقافة الفنية بين الجمهور، والتعريف بدور الفن التشكيلي كعمود مهم من أعمدة الثقافة البصرية والجمالية لدى المواطن اليمني.
■ على صعيد اشتغالك على الهُوية في لوحتك على امتداد تجربتك، في تقديرك ما أهمية اهتمام الفنان بالهُوية وهل بالضرورة أن يشتغل الفنان على هويته الثقافية ويبرز ذلك في لوحته؟
□ الهوية الثقافية تعتبر أساساً مهماً ورئيساً للفنان وبدون هوية خاصة وأساسية ومميزة لا يمكن الاعتراف بهذا الفن أو ذاك، إذ لا بد أن يرتبط العمل الفني ببيئته المحلية لتكون له شخصيته وصفته الوطنية ومجاله الخاص، وبدون هوية وانتماء لبيئته وموطنه لا يمكن تصنيفه كفن مميز وفريد؛ كما أنه بدون وجود عناصر فنية للبيئة والثقافة الوطنية في العمل الفني، لا يمكن توصيف الفن بفن محلي له شخصية خاصة وانتماء وطني. كما أن اليمن يزخر بتنوع ثقافي وتاريخي عظيم نتيجة امتداد وعمق تاريخه الحضاري والثقافي؛ وهو ما يشكل للفنان منهلاً ضخماً للتعبير، من خلاله، عن رؤاه الفنية في أعمال تحمل بصمته وهويته وتعبر عن موقفه.
■ ماذا عن الحرب وأثرها وتأثيرها عليك فنياً وإنسانياً، وهل بالضرورة أن يعبّر عنها الفنان في أعماله؟
□ بالنسبة لتأثير الحرب على الفنان بلاشك أن لها تأثيرا كبيرا، وفي المقابل على الفنان يقع دور كبير في صياغة هذه الحرب ومعالجتها ثقافياً في لوحات فنية. كما لا أخفيك أن المعاناة التي تقع على الفنان والمثقف، جراء الحرب، كبيرة.
■ عكست أعمالك قدرتك الباهرة على المزج بين الأصالة والمعاصرة؛ ما الذي يساعدك على إدراك الخطوط الصغيرة الفاصلة متجنباً الوقوع في مأزق الاستلاب والغواية ؟
□ لقد عالجتُ وحاولتُ كثيراً إظهار تجاربي الفنية في الأصالة والمعاصرة. لابد لأعمال الفنان أن ترتكز على أساس أصيل ممتد من حضارة بلده القديمة، وترتبط في الوقت ذاته بالفن الحديث والواقع المعاش بكل جديده؛ كما أنه بدون الأصالة الفنية لا يمكن الوقوف على معاصرة وأساس للفن والثقافة عموماً. لابد أن ترتكز أعمال الفنان والمثقف بشكل عام على ارتباطه بتاريخ بلده ليعمل على تجديده؛ ومن هنا كان ارتباطي بالماضي الثقافي العظيم الذي تحمله اليمن باعتبارها من أهم الحضارات التاريخية والإنسانية في العالم وعلاقتي الواعية بجديد الفن في العالم.
■ اشتغلتْ كثيراً على ثقافة المحيط في لوحاتك وبرزت صنعاء حاضرة بثقافتها بشكل كبير، بما تفسر الحضور المميز لهذه المدينة على ما سواها في لوحتك؟
□ مدينة صنعاء القديمة خير مثال على الإنجاز الحضاري اليمني وتعتبر من أجمل مدن العالم محتفظة بأصولها وجمالها المعماري المميز، واعتبرها أنا شخصياً من أجمل مدن العالم… مَن زارها يعرف ذلك، خاصة الأجانب من جميع أنحاء العالم، الذين تصيبهم الدهشة والانبهار، بمجرد رؤيتهم لهذه المدينة التاريخية الرائعة، واهتمامي بالتاريخ والتراث القــــديم والموضوعات المعاصرة له علاقة قوية بعلاقتي الواعــــية بتاريخ اليمن القديم والحديث، ولولا تاريخنا الحضاري لما كانت وما بقيت مدينة صنعاء القديمة والمتميزة بخصوصيتها وبنائها المعماري الفريد، ولذلك اشتغلت على إعادة قراءة هذا الجمال الفريد لهذه المدينة.
■ وما الذي ترمي إليه في رسمك للشخوص وربطها بمكونات يمنية قديمة داخل لوحاتك؟
□ أرمي إلى التعبير عـــــن مدى اهتــمامي بتاريخ المكان والإنسان في مدينة صنعاء، التي تنتقل بزائرها إلى عالم أسطوري وواقع تراثي مميز… ولعلي في كل أعمالي عن هذه المدينة أدعو للمحافظة عليها، وأؤكد – أيضاً- أن مسؤولية المحافظة عليها تقع على كاهل كل يمني مُحب لوطنه وتاريخه.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى