الأزمة الاقتصادية في مصر تُهدد دور النشر

عمرو عاشور
تمر مصر في عهدها الراهن بأزمة اقتصادية حادة، لعلها الأسوأ في تاريخها الحديث، بداية من اختفاء السلع الأساسية في الأسواق، وتعويم الجنيه، وارتفاع غير مسبوق لسعر الدولار، الأمر الذي أدى إلى تعرض العديد من الصناعات إلى الخطر ومنها، صناعة الكُتب. ونحن على مشارف معرض القاهرة الدولي للكتاب – وهو الحدث الذي يترقبه كل قارئ مصري وعربي ـ نتساءل: كيف ستواجه دور النشر المصرية تلك العقبات؟ وإلى أي مدى سوف يؤثر الاقتصاد الهش على سوق الكتب في مصر؟ وللإجابة على تلك التساؤلات التي تشغل القارئ المحلي والعربي، كان لنا لقاء مع بعض دور النشر في محاولة لاستقراء الوضع الحالي والمستقبلي لسوق الكتب.
ميريت: لا أمل سوى في التغيير العام
يصرح الناشر محمد هاشم صاحب دار ميريت للنشر، لـ«القدس العربي» بأن عملية النشر أصبحت مكلفة جدًا، والسبب في ذلك يعود إلى الاعتماد على الورق المستورد الذي زاد سعره للضعف، وليس الورق فحسب بل أيضًا المواد المستخدمة في عملية النشر من أحبار وزنكات وهي كلها أشياء يتم استيرادها من الخارج، فمصر لا تصنع الورق الجيد، وإن كانت هناك بعض مصانع الورق مثل مصنع أدفو، إلا أنها تقتصر على المقاولات مع الدور الكبيرة أو وزارة التربية والتعليم، وارتفاع تكلفة الكتاب سوف يؤثر بالتأكيد على سعره، وهنا يجد الناشر نفسه أمام معضلة، فهو لن يستطيع أن يزيد من سعر الكتاب بنسبة 100٪، لأن القارئ أيضًا يعاني من الأزمة المالية نفسها، وسوف ينصرف عن شراء الكتاب من أجل توفير احتياجاته الأساسية، ولن يستطيع الناشر أن يقدم الكتاب بسعره القديم، لأن ذلك يعني الخسارة الفادحة له، تلك الأزمة جعلت من الناشر ضحية، وأوقعته في مأزق لن يتمكن من الخروج منه بسهولة. فنحن مثلاً دار نشر معروفة منذ نشأتها بأنها تقدم للساحة الأدبية أسماء جديدة كل عام، أسماء استطاعت في فترة وجيزة أن تفرض موهبتها في السوق العربي والعالمي أيضًا، لأننا كنا نراهن دائمًا على أصحاب الأعمال الأولى، أما في هذه الفترة العصيبة فلن نتمكن من ذلك أبدًا، لذا فإن قائمة المعرض المقبل سوف تنخفض إلى درجة غير مسبوقة، ليس هناك وقت للمراهنات، ولن ننشر سوى الأعمال التي لها رواج فقط، وهو الأمر الذي سيظلم حتمًا الإبداعات الجديدة. وأعتقد أن الخروج من هذه الأزمة لن يتم إلا من خلال إصلاح عام، فالدولة التي تعاني من توفير الدواء أو الطعام لمواطنيها لن تستطيع أن توفر الكتاب بسعر معقول.
العين: الاستغناء عن القصة
القصيرة مقابل الرواية
وحول هذه الإشكالية يقول المسؤول الرسمي عن دار العين عارف صالح، إن هناك أكثر من عشرين مطبعة تم إغلاقها مؤخرًا، ومنها مطبعة المدينة في المعادي، بسبب ارتفاع أسعار الورق، كما أن الدولة تقفل المنافذ أمام دور النشر بحجة أنها ليست من الأولويات، حتى التعاقدات مع مكتبة الأسرة – وهي الجهة الحكومية المصرية المختصة بشراء الكتب من الدور وإعادة طبعها- قد توقفت هذا العام، لذا لا سبيل لدور النشر سوى الاعتماد على الذات، ولكن مع زيادة أسعار الورق – خصوصًا أن الدار لا تتعامل مع الورق المحلي بسبب قلة جودته – فإن تكلفة الكتاب قد أصبحت فوق الاحتمال، وأعتقد أن هذا سوف يزيد من سعر الكتاب لأكثر من 60٪ ، ورغم ذلك فإن الدار لن تستطيع أن تنشر كل المخطوطات التي كانت تعدها لمعرض الكتاب المقبل، فهل من الممكن أن نخاطر بطبع كتاب لن تنفد طبعته؟ بالتأكيد، لا. ولذلك سيكون الاهتمام الأكبر بنشر الروايات لأنها أكثر رواجًا من الشعر والمجموعات القصصية، وأيضا سوف يتم التعامل مع الإصدارات الجديدة بعناية فائقة، حتى نضمن لها فرصة البيع، إن دور النشر في هذا الوقت تحديدًا تعاني أشد المعاناة، وهو أمر لا يهدد أصحاب الدور فقط، بل هو بمثابة خطر قومي على الثقافة التي هي مقياس تحضر الشعوب.
روافد: هل الدولة المصرية معنية بصناعة النشر؟
يعتقد الناشر إسلام عبد المعطي صاحب دار روافد أن أزمة صناعة النشر في مصر ليست مستحدثة إنما هي تعود إلى الستينيات، والسبب في ذلك عدم اعتراف الدولة في الأساس بصناعة الكتب. ويتساءل: إذا كانت هناك أزمة في الدولار، أليست الكتب وسيلة لجلب عملة صعبة؟ عملة كثيرة أم قليلة، هي مسألة تعود للاهتمام بها، ويجرنا هذا إلى سؤال آخر: هل عوامل تلك الصناعة موجودة بالفعل؟ والإجابة واضحة: فمصر معروفة بالمبدعين، وبكثرة دور النشر، وبالكثافة العددية أيضًا.. إذن فنحن نمتلك الإنتاج الذي يتمثل في المبدع، والمُنتج وهم أصحاب دور النشر، والسوق الداخلي والخــــارجي وتتكــــفل به المكتبات والمعارض المحلية والدولية… فما الذي ينقصنا؟ ربما النقص يأتي من الدولة نفسها، ما الذي ينبغي على الدولة أن تقدمه من أجل عبور الأزمة؟ من وجهة نظر الناشر إسلام أن هناك ثلاثة عوامل مهمة يجب على الدولة توفيرها، وهي:
1- أن تسن عدة قوانين للحماية والتنظيم: ففي الوقت الذي يعاني فيه الناشر من أسعار الورق وتكلفة الكتاب نجد أن بعض المواقع تسرب الكتب مجانًا دون أدنى اهتمام بحقوق النشر أو ملكية الدار، وهو الأمر الذي يجعل دور النشر تتكبد خسائر طائلة، لذلك فإن حماية المُنتج من دعائم الصناعة الناجحة. 2- التسهيلات: ولنأخذ التجربة التونسية كمثال، فتونس مثلا رفعت الجمارك على ورق الكتب من أجل تدعيم الثقافة، ماذا لو اتخذناها قدوة؟ بالتأكيد سوف يعود هذا على سعر الكتاب، وربما سيساهم في حل جزء من الأزمة، ثم ماذا لو أن هناك تسهيلات بنكية للناشر؟ سوف نحل جزءا آخر من الأزمة، أليس كذلك؟ وأنا هنا أقول تسهيلات وليس دعمًا، فرجال الأعمال يحصلون على تسهيلات من الدولة، وكذلك رجال الصناعة، فما بالك بصناعة الكتب التي تشكل وعي شعب بأكمله؟ 3- المساهمة في الترويج: وهنا يأتي السؤال: هل الدولة معنية ببناء مواطن متعلم ومثقف أم لا؟ إذا كانت الإجابة بـ «أجل» فلا بد لها أن تكون مؤثرة في حياة المواطن، سواء على الجانب العلمي أو الأدبي، ولا بد أن تنشر ثقافة الكتاب من خلال المكتبات العامة، ومكتبات المدارس، والأندية الرياضية وقصور الثقافة.. وعليها أن تُشكل لجنة كي تقتني الأجود وتنحاز للفن الأصــيل، وأن تكون على صلة مع دور النشر وما تنتجه.
يبدو، ومن خلال ما صرح به أصحاب دور النشر، أن معرض الكتاب المقبــــل لن يكون بغــزارة معارض السنوات الفائتة، لا على مســـتوى الكم أو الكيف، وأن الأزمة الاقتصادية سوف تحرمنا حتمًا من إبداعات أقلام جديدة، وأعمال أدبية أخرى سوف تكون شحيحة كالقصة والشعر.
(القدس العربي)