الروائية بسمة عبد العزيز: المشهد الثقافي المصري خسر الكثير بسبب نخبة مؤيدة للعسكر

أنور عوض

عندما اعتلت الأديبة المصرية بسمة عبد العزيز منصة الحديث خلال مشاركتها الثانية في فعاليات مهرجان شباك لهذا الموسم في المكتبة البريطانية في لندن، لم يكن حديثها أو مداخلات الجمهور منصبة على تجربتها في كتابة الرواية والقصة القصيرة فقط، بل تعدت ذلك نحو الواقع المصري بكل تفاصيل مشهده السياسي والاجتماعي والحقوقي، إضافة إلى المشهد الثقافي بالطبع.
فعبد العزيز صاحبة رواية «الطابور» وما سبقها من إصدارات أدبية وعلمية، نالت عبرها جوائز رفيعة، ليست مجرد كاتبة فهي تشكل وجودا في المشهد الثوري المصري وفاعلة في أكثر من جهة، سواء من خلال موقفها السياسي أو كباحثة في طب علم النفس والاجتماع، بجانب عملها في مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب في مصر، الذي لا يزال يواجه مشاكل التضييق في القاهرة، رغم السماح له بالعمل جزئيا عقب إغلاق السلطات له بالكامل قبل أشهر، فكان لـ«القدس العربي» معها هذا الحوار..

■ خلال مشاركتك في مهرجان شباك كان طرحك للأسئلة أكثر من تقديم إجابات؟
□ عادة أنا مشغولة بطرح الأسئلة أكثر من انشغالي بتقديم إجابات، سواء في أعمالي الأدبية وكذلك دراساتي النفسية والاجتماعية والسياسية، ففي ظني أن ما نفتقده في مجتمعنا المصري والمنطقة العربية عموما هو كيفية طرح السؤال، وكيفية استنباط سؤال من سؤال، إن طرح الأسئلة الكثيرة كفيل بتوليد إجابات متعددة، وهذا بالنسبة لي هو الطريق لتجاوز فكرة الصواب المطلق أو الإجابة الواحدة، التي تؤدي في النهاية إلى شكل من أشكال الشمولية، سواء في المجتمع أو النظام السياسي، أو في أي شكل من أشكال التنظيم عامة، لذلك قدمت خلال جلسة النقاش حزمة من الأسئلة، وحاولت عدم تقديم إجابات قاطعة، لأن حقيقية الوضع الحالي والظرف التاريخي الراهن يصعب جداً معه تقديم إجابات قاطعة، وإن تم تقديم إجابات ففي الغالب ستكون غير صادقة.
■ هل يمكن وصف مهرجان شباك بأنه خطوة جادة نحو تجسير العلاقة بين المجتمعات؟
□ المهرجان مهم بالطبع، ولكن دعني أضيف مسألة أخرى تتعلق بالفجوة السابقة بين الغرب والعالم الثالث، نسبة لاختلافات حياة الديمقراطية وتوفر الحقوق وسبل الحياة، وما إلى ذلك من اختلافات جعلت الغرب لا يعرف عما يجري في مناطق أخرى كالشرق الأوسط، عبر قليل مما يسمعه عبر الإعلام، ولكن حدث اختلاف كبير في حالة الفجوة هذه، مع تغيير أنظمة الحكم في الغرب، وأنا هنا أعني فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وأريد أن أحكي عن تجربة شخصية بلا ادعاء، فمثلا بدأ القراء والمهتمون بالغرب يقرأون روايتي الأخيرة «الطابور» في نسختها الإنكليزية بشكل مختلف جداً، ومع أنني لم أذكر مصر أو أي مكان أو زمان في الرواية، إلا أنهم قاموا بإسقاطها على الوضع في أمريكا، مع مجيء ترامب، فما كتبته في الرواية عن التلاعب بالحقائق وكنت أقصد بها مجتمعاتنا قاموا في الغرب بإسقاطها علي التلاعب الذي يقوم به ترامب، أيضا حينما اتحدث في الرواية عن صحيفة «الحقيقة» يأخذونها ويتجهون بها نحو ترامب وما يتحدث به عن تعريف جديد للحقيقة وماهيتها، وهذا أظهر تعطش الغرب لمعرفة المزيد عن مجتمعاتنا النامية. فالجديد أن الغرب بدأ يفهم كيف أن النظم تكذب، وبالتالي أصبحوا يتفهمون كيف أن رئيسا أو نظاما في العالم النامي يمكن أن يكذب في ما يطرحه من حقائق حول بلده أو شعبه أو نظامه، وأعتقد أن هذا مفيد لكل البشرية.
■ إلى أي مدي أسهم اشتغالك بالعلوم الإنسانية في امتلاكك مفاتيح أخرى في ما يخص الأدب والكتابة؟
□ إلى حد كبير جداً، وأضيف ليست فقط العلوم الإنسانية بجانب خلفيتي الطبية والنفسية، قد فتحت أمامي مساحات كبيرة كان يمكن أن تكون مغلقة لفهم طبيعة البشر، وتفاعلات الشخص كفرد من زاوية علم النفس، وعلاقة الفرد مع المجتمع من زاوية علم الاجتماع من غير دراسة وبحث والقيام باختبارات ميدانية خلال الحياة اليومية، أعتقد أن أي نظرية قابلة للتطبيق يجب مساءلتها.
■ ماذا أضافت لكِ رواية «الطابور»؟
□ هناك أكثر من مستوى للإضافة تم من خلال عملي الأدبي الأخير، ولكن قبلها أريد القول إن إصداراتي السابقة من ناحية الأدب كانت مجموعات قصصية، صحيح أنها لقيت نجاحا وحظيت بجوائز، غير أنها لم تكن أعمالا روائية، وبالتالي «الطابور» تمثل لي نقلة عبر عملي الروائي. أما ترجمة الرواية للإنكليزية فقد مثلت لي نقلة أخرى، ومن حسن الحظ أنني كتبت عملاً كنت أحببت أن يكون قابلا لتحقيق فكرة العالمية، بمعني أنه يصلح لأن يعبر عن أكثر من مكان، وكمثال فالطابور الذي يمتد إلى ما لا نهاية بغية الحصول على عطف سلطة، أو منحها إذنا لتأكل، كما ورد في الرواية، هي الفكرة نفسها، التي ذهب اليها بعض من كتبوا عن الرواية في أمريكا وغيرها، إنها فلسفية قبل أن تكون سياسية، ولذلك فالعالمية في حالة «الطابور» أنه يمكن إسقاطها على أي مجتمع بشري في أكثر من مكان، وكل قد يجد في واقعه المعاش بعض ملامح الرواية، وبالتالي يتفاعل مع ما يشبه واقعه ذاك، فمثلا من قرأوا «الطابور» في أمريكا قاموا بإسقاطها على ترامب، وكيف أنه يتلاعب بالحقائق ووعي الناس وتزييف توجهاتهم وأفكارهم. أما بالنسبة لمن يقرأ الرواية في المنطقة العربية فيمكنه أن يحدد ما يشابه واقع مجتمعه في العمل الروائي، وهذا حظ جيد بالنسبة لي أن تصدر الرواية مع مجيء ترامب، حيث حققت الرواية نجاحا كبيرا في التوزيع في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، أربعة أضعاف ما تم توزيعه في مصر مثلا.
■ كيف تنظرين إلى الاتهامات المثارة حول السرقات الأدبية في مصر؟
□ هذا سوال صعب فلم أكن متابعة لهذا الموضوع، فقد كانت تشغلني وقتها عملية إكمال روايتي، مع انشغالي أيضا بعملي في الفترة السابقة في مركز النديم، ومع ذلك دعني أقول إن جزءا من تردي المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ينعكس هنا وهناك، وقد تحدث أشكال فيها تجاوز أدبي وغيره، وهنا أعود للقول ليس عندي علم أو معلومة أو حكم، كل شي ممكن.
■ أخيرا إلى أي مدي تأثر المشهد الثقافي المصري ولماذا خفتت كثير من الأصوات؟
□ خفتت الأصوات نتيجة القمع غير المسبوق، وبالطبع هذا ليس العامل الوحيد، إذ أن النخبة المصرية ممثلة في المفكرين والكتاب والفنانين وغيرهم، للأسف اتخذت موقفا بالغ السوء والرجعية، وأيدت عودة المؤسسة العسكرية للحكم، ليس ذلك فحسب، بل أيدت حالة القمع غير المسبوقة التي تمارسها السلطة منذ مجيء السيسي.

 

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى