العرض المسرحي «الراقصة والبلياتشو»: السيد الحاكم… كبيرهم الذي علّمهم الهزل

محمد عبد الرحيم
شغلت شخصية المهرّج الكثير من المفكرين والأدباء والفنانين، بأن أصبحت رمزاً، وبالتالي محاولة إسقاط العديد من الدلالات عليها، بداية من أنه شخص وحيد مختفي الوجه خلف المساحيق وارتسام البسمة الأبدية/افتعالها، والقدرة على الإضحاك، رغم الحزن الدائم الذي يحمله. هذا من ناحية، ثم يبدو الوجه الآخر في ارتباطه بالسلطة، وهي شخصية (مهرج الملك)، وليصبح مثال الحكمة الضائعة في وجه ودروب السلطة ورجالها، وسيطا هزليا بين الشعب والحاكم، ومن خلال هذا الهزل تصل رسائله الانتقامية إلى الحاكم، ومنه تبدو السخرية وخطورتها، وتحقيق توازن وهمي/بلاغي لدرجة من درجات العدالة.
والمهرج شخصية أدائية في الأساس، حقيقتها خافية وراء الملامح المبالغ فيها، والملابس الغريبة القاصرة عليه وحده، والهدف الوحيد هو الجمهور، وبالتالي تقترب شخصية المهرج في وجهها الهزلي من شخصية (الحاكم) وقد أصبح يتخفى وراء وجه السلطة وتشوهاته، فلا يثير الضحك، بل الرعب، ويكون جمهوره هو الشعب بأكمله. ومن خلال فكرة التقارب والتماهي بين الحالتين، نجد أن المهرج الحقيقي هو صاحب السلطة.. الحاكم/الملك/الرئيس، وهي الفكرة التي دار حولها العرض المسرحي «الراقصة والبلياتشو»، الذي عُرض مؤخراً في قاعة الحكمة، في ساقية الصاوي في القاهرة.
النص المسرحي
يدور النص بين الملكة والمهرج، وقت تشييع جثمان زوجها الملك، والجميع يقومون بمراسم الدفن، بينما يخلو القصر إلا منهما. فالمرأة الجميلة تريد من المهرج أن يقلد بشاعة الملك، وأن يصبح مهرجها الوحيد، خاصة وقد أصبحت هي صاحبة السلطة في البلاد. وفي حوار طويل نكتشف مدى حب المهرج لها، وأنها كانت تلحظ ذلك، بينما هو يحاول نزع الوجه السلطوي عنها، بأن يردّها امرأة وكشف روحها الحقيقية. وتستجيب تحت كلمات الإعجاب والإطراء، لترقص كما تفعل الغجريات، مُجسدة لحظات من انفلات رغباتها. وتتصاعد وتيرة الاكتشافات، ويصارحها المهرج بأنها قاتلة زوجها الملك، وقد أوهمت شقيق الملك ورئيس الوزراء بالحب، حتى يتم التخلص من الملك، بل وليقتل كل منهما الآخر، ليستتب لها الملك في النهاية. خداع المهرج لا يقف عند هذا الحد، بل يصل أقصاه عندما يكشف لها عن شخصيته الحقيقية، فهو الملك وقد تنكر في صورة المهرج ليكشف حقيقتها، رغم حبه لها، وإن كانت أصوله الوضيعه ــ هو عبد بالأساس ــ لو يستطع التخلص منها، وقد أصبح عبداً أسيراً لها، وما تخلصه من العبودية إلا بقتلها في النهاية، وكنهاية كلاسيكية سيتخلص منها بالسم، وهي بدورها ستقتله كآخر فعل لها قبل أن تفارق الحياة. فالمهرج في النهاية لم يكن سوى تلميذ خائب مقارنة بالملك، الذي يملك قدرات خارقة في التلوّن وإيهام الآخرين والسيطرة عليهم، بإرهابهم هذه المرّة، وانتزاع صرخاتهم بدلاً من الضحك.
ونرى أن النص لم يخرج عن إطار الشكل التقليدي من النصوص التي تحاول التفاعل وحال السلطة وتحولاتها وأصولها. وأن المهرج الحقيقي وكبير المهرجين هو الحاكم المطلق، وما الجمهور سوى الشعب المغلوب على أمره. من ناحية أخرى فالنص حواري في الأساس، ومن الممكن قراءته أو الاستماع إليه وكأنه عمل إذاعي، وما المفاجأة أو الانقلاب الدرامي ــ الملك هو نفسه المهرج ــ إلا تأكيد يحاول النص منذ بدايته الإيحاء به والإصرار عليه.
العرض المسرحي
حاول العرض المسرحي قدر الاستطاعة أن يحول النص الحواري إلى عرض مسرحي ــ أن تتم مسرحة النص ــ ولكن بماذا استعاض عن العبارات أو محاولة نسج تشكيل بصري معادل للموضوع؟ رأى مخرج العرض أن يتوازى الرقص الإيقاعي ليصبح مُعبّراً عن معنى النص، وقد أصبح عرضاً تمهيدياً مطولاً بعض الشيء، قبل حوار المهرج والملكة. هنا توازي الراقص والراقصة وحالة الحوار المتصاعد بين الشخصيتين الرئيسيتين في ما بعد، ورغم المحاولات ليصبح الرقص جزءاً من العرض، إلا أنه في حالات كثيرة كان منفصلاً عنه، وكأنه عرض مُبهم إلى حدٍ كبير، وأصبح الحوار شارحاً له، من دون أن يكون مُكملاً أو متفاعلاً معه كما يبدو، بخلاف بعض اللحظات التي يتداخل فيها الرقص مع الأداء الدرامي، خاصة عندما بدأت الملكة الرقص بدورها، هنا يصبح الأداء الإيقاعي هو الأساس، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً ــ حالة التناغم هذه ــ ليعود الأمر كما كان، الجزء الأيسر من المسرح يختص بالأداء التمثيلي، والأيمن بأداء الراقصين.
كذلك لم يفلت أداء الممثلين ــ شخصية المهرج ــ من المبالغة، في الصوت والحركة والتشنجات، وهو يحاول شرح حالته وتلونها، من حب المرأة إلى كشف خيانتها، والإيقاع بها في النهاية.
ورغم الجهــد الواضح فـــي إخـــــراج العــــرض، إلا أنه لم يســــتطع الإفـــلات ضعف النص وحواره شديد المباشرة والتقليدية، والعبارات المعهودة.
العرض أداء.. خالد إبراهيم، مي بهاء، محمد أشرف شحاته، وهالة الوصيف. إضاءة عز حلمي، أزياء نهى ياسر، موسيقى أحمد عماد، مساعد مخرج ماسي ماهر، مخرج منفذ محمد رامي. تأليف مصطفى حمدي، ومن إخراج محمد أشرف.
(القدس العربي)