تقرير «الحالة الدينية المعاصرة 2010 ــ 2014»: آفة توظيف النظام السياسي في مصر للدين

محمد عبد الرحيم
في قاعة محمد حسنين هيكل في نقابة الصحافيين في القاهرة، أقيم حفل إطلاق تقرير «الحالة الدينية المعاصرة في مصر 2010 ــ 2014»، الذي أعدته مجموعة من الباحثين وأصدره مركز دال للأبحاث في القاهرة، بالشراكة مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود. ليأتي التقرير عبارة عن دراسة تحليلية وميدانية للحالة الدينية للمجتمع المصري، في (7) مجلدات تشمل جميع مظاهر السلوك الديني وتجليات ممارسته الفعلية في الفترة محل الدراسة. وجاءت عناوينها على الترتيب.. المذاهب والمؤسسات الرسمية الدينية الإسلامية، المذاهب والمؤسسات الرسمية الدينية «الأقباط ـ اليهود ـ المهمشون دينياً»، التكوينات الأهلية غير الرسمية ذات الطبيعة الدينية، القوى الدينية والسياسة والإعلام والاقتصاد، آليات وتوجهات الخطاب الديني، المرجعية الدينية في الإطار القانوني والدستوري، والمجلد السابع والأخير تضمن الدراسة الميدانية. ضمت الاحتفالية العديد من المفكرين والباحثين والمهتمين بالشأن الديني والاجتماعي، نذكر منهم سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس مركز ابن خلدون للأبحاث، وأيمن الصياد رئيس تحرير مجلة «وجهة نظر»، والعديد من الباحثين المشاركين في التقرير، منهم الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق، والباحث والكاتب سليمان شفيق، وكمال مغيث الباحث في المركز القومي للدراسات التربوية، إضافة إلى الباحث عصام فوزي المدير التنفيذي لمركز دال للأبحاث، ويونس قنديل رئيس مجلس أمناء مؤسسة مؤمنون بلا حدود. وسنستعرض أهم ما جاء في كلمات الحضور، وبعضا من نقاط التقرير، التي تضمنها الملخص التنفيذي للدراسة.
تحدث سعد الدين إبراهيم، وأشاد بالتفات التقرير إلى حالة التدين الشعبي، في مواجهة التدين الرسمي، وكيفية تحول الفكر الديني إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع. لكنه أخذ على التقرير تقصيره في تناول دور المرأة في الحالة الدينية المصرية. كما أن الدراسة الميدانية لم تشمل الكثير من الآراء والاختلافات، وتحيزت في سبيل الموضوعية إلى عدم إبداء رأي واضح أو هدف، بخلاف حالة استعراض العينات محل البحث، فكيف يرى السلفيون التنظيمات الإسلامية الأخرى، خاصة الصوفية، كذلك تحوّل الفكر السلفي من وجوب الحفاظ على الحاكم، ولو كان مستبداً خشية حدوث فتنة، هذا الشكل من التفكير اختلف تماما الآن، ولم يلتفت إليه التقرير.
ويرى أيمن الصياد أن المشكلة لا تكمن في الدين، لكن في فقهاء السلاطين وتراثهم، وإن كان الإسلام السياسي يقصي الآخر، فإن مَن يواجهونه يقعون في المأزق نفسه، بأن ينتهجون أساليبه نفسها. وأشار الرجل إلى أن حروب الفتنة الكبرى، والحروب الدينية في أوروبا القرون الوسطى والحروب الصليبية، كلها تم من خلالها استخدام مقولات دينية كتأمين لشرعية الحاكم، وصولاً إلى التشابه ما بين بن لادن وجورج بوش الابن في أن كلا منهما يعتبر الآخر وأتباعه هم أهل الشر. وما التبشير الديني في المسيحية على سبيل المثال إلا أداة استعمارية لا تختلف عن استخدام السلاح.
ويستمر الصياد في ضرب الأمثلة، بداية من نابليون عند دخوله مصر، حتى الملك فاروق ومظاهر التدين وكأنه مفوّض إلهي، وصولاً إلى السادات ومناداته بدولة العلم والإيمان، ووضعه للمادة الثانية من الدستور المصري ــ سبب المشكلات ــ للتغطية على مادة تعديل فترات الرئاسة، التي لم يستفد منها السادات وراح ضحية الجماعات التي ساعد على وجودها. ويضيف الصياد في النهاية أنه لا مفر إلا التفكير النقدي، والرأي الحر بداية من رأي التلميذ في المدرسة ووصولاً إلى انتقاد رئيس الدولة. ويبدو أن أيمن الصياد تناسى أن الدين الإسلامي خاصة هو دين ودولة، ذلك منذ نشأته، وهو يختلف عن اليهودية والمسيحية ــ بغض النظر عن الآباء والملوك الذين استغلوا هذا الدين أو ذاك ــ فرسول الإسلام قاد بنفسه الحروب وأسس دولة لها معالمها، فالأمر في أساسه مسألة حُكم وسلطة.
يستعرض التقرير مواقف مؤسسة الأزهر من السلطة، فتبدو مهادنتها للسلطة السياسية في أغلب الوقت. وكانت تبعات ثورة يناير/كانون الثاني كاشفة في شكل أكثر مباشرة، فقد أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب انحيازه لنظام مبارك، ودعا المتظاهرين إلى ترك الميادين والعودة إلى منازلهم، معتبراً أن استمرار التظاهر حرام شرعاً، كما انتهج علي جمعة ــ مفتي الجمهورية وقتها ــ النهج نفسه. كما كان لمؤسسة الأزهر وشيخها الدور البارز في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وهيأت غطاء شرعياً لإزاحته من المشهد السياسي، مبررة ذلك بضرورة «حسم الفتنة وإنقاذ البلاد من خطر الانقسام». وعلى النقيض تأتي (جبهة علماء الأزهر)، التي شارك أفرادها في الثورة المصرية، وأصدرت بياناً تطالب فيه شيخ الأزهر بالاستقالة، بعد مشاركته في ما وصفوه بالانقلاب على الشرعية، بعد 30 حزيران/يونيو.
بالنسبة للأقباط يشير التقرير إلى أن نظام مبارك حرص على حصر الأقباط داخل أسوار الكنيسة، وعزلهم واختزالهم في رأس الكنيسة، وتحويل البابا شنودة الثالث إلى الأب السياسي المعبر عن الأقباط، مستخدماً فزاعة الإسلاميين. ولكن بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، انهار منهج مبارك في التعامل مع الأقباط، وخرجت المظاهرات من أقباط ومسلمين هاتفة بإسقاط حبيب العادلي ومبارك نفسه، فوجدت الدولة نفسها أمام مجموعات مختلفة لا تعرف مَن يقودها، وثار هؤلاء على قيادات الكنيسة المحافظة، حتى أن بعض القساوسة من مختلف الطوائف شاركوا في هذه الاحتجاجات والتظاهرات. وتشهد الحالة القبطية الآن العديد من التناقضات السياسية والاجتماعية، ما بين فئة تمردت على سلطة الكنيسة، وأخرى انخرطت في الصراع الاجتماعي والسياسي دون الالتفات إلى الكنيسة، وأخرى تسعى للخروج بالأقباط من الوطن، كرد فعل على انتقال مركز ثقل المعارضة القبطية من المهجر إلى داخل مصر، كما شاركت التيارات السلفية في تهجير الأقباط قسراً داخل الوطن، حيث أدت تلك الجماعات والتيارات دوراً لا يختلف كثيراً عن الشركات القبطية المتخصصة في «بيزنس» الهجرة.
يبلغ عدد اليهود في مصر ــ حتى كتابة التقرير ــ ما يقدر بـ15 مواطنا. ولم تكن لهم أي مشاركات في ثورة يناير، وكانت المشاركة الأولى هي برقية تهنئة إلى محمد مرسي عقب نجاحه في الانتخابات الرئاسية، أرسلتها الهيئة اليهودية المصرية في باريس، مشيرة في حقوق اليهود الذين طردوا من مصر، وأنهم يرفضون أي تدخل من الكنيست في إقرار مشروع قانون لاستعادة أملاك اليهود، باعتباره شأناً مصرياً، وأنهم يفضلون رفع قضايا في المحاكم المصرية، فكانت مطالبة عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، بعودة يهود مصر من إسرائيل إلى موطنهم الأصلي. وأكدت ماجدة هارون رئيسة الطائفة اليهودية في مصر مشاركتها في مظاهرات 30 يونيو/حزيران، واصفة حكومته بالحركة الفاشية. والآن لم يعد في إمكان الطائفة إقامة الصلاة منذ سنوات، لأن الصلاة اليهودية تحتاج إلى 10 رجال لإقامة الطقس، وهو ما لم يعد يتوافر إلا في المناسبات، التي يأتي إليها زوار أجانب، كذلك لم يعد في مصر حاخام لمراعاة الشؤون الدينية، لتصبح الطائفة الوحيدة في مصر التي يرأسها رئيس مدني يُعنى بشؤونها الاجتماعية.
تعد تهمة الإخلال بأمن الدولة من البدهيات في التعامل مع الطائفة الشيعية في مصر، وبعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقاهرة في فبراير/شباط 2013، قام حزب النور السلفي بتنظيم المسيرات في محافظات مصر، تحت عنوان (الشيعة هم العدو فاحذروهم). كان نتاج ذلك وفي يونيو من العام نفسه جرت أسوأ جريمة قتل طائفي ــ سني/شيعي ــ في تاريخ مصر الحديث، فتم قتل أربعة من الشيعة من بينهم الشيخ حسن شحاتة وشقيقاه، وقد تم سحلهم والتمثيل بجثثهم على يد مجموعة من الأهالي.
وهناك العديد من الطوائف المهمشة والمغضوب عليها من المجتمع ونظامه السياسي حسب هوى الأخير، كالبهرة والقرآنيين والبهائيين، وأتباع الطريقة الأحمدية القاديانية.
أشار التقرير أيضاً إلى التكوينات الأهلية ذات الطبيعة الدينية، على رأسها الطرق الصوفية، ومدى تعقد علاقاتها مع النظام السياسي الحاكم، فهي تدّعي الابتعاد عن السياسة، لكنها تحتشد لتؤيد رأس هذا النظام أو ذاك، وفق تعليمات من أمن الدولة أو الأمن الوطني، أو أي أمن كان.
هذه لمحة سريعة عن بعض الموضوعات التي شملها تقرير «الحالة الدينية المعاصرة في مصر 2010/2014». في فترة من أشد وأصعب الفترات التي مرّت ولم تزل تعيشها مصر.
(القدس العربي)