عُرض على مسرح الطليعة في القاهرة: العرض المسرحي «الجلسة… شغل عفاريت» حروب الإغواء بين الشيطان والإنسان

محمد عبد الرحيم

لا تخلو ديانة ومن قبلها ثقافة شعبية من الارتباط بعالم الجن والعفاريت والكائنات غير المرئية، التي تبدو وكأنها مُتحكمة في سلوك البشر وحياتهم، ورغم أن الثقافات البدائية أسست لهذا الشكل من العلاقة بين هذه المخلوقات وبني الإنسان، محاولة الاحتماء بأسباب غامضة وخارجة عن الإرادة الإنسانية، وعدم مقدرة العقل على تفسير ما يحدث من أزمات، إلا أن الديانات بدورها لم تخرج في هذا الأمر عن الإطار ذاته، وجعلت من اليقين في الله أو الرّب وقبلهما الآلهة القديمة، العاصم الوحيد من الشر المُطلق الذي أصبح يمثله الشيطان ويدل عليه. في هذه الأجواء يأتي العرض المسرحي «الجلسة.. شغل عفاريت» ليحكي جانب آخر من هذا الصراع بين الشيطان والإنسان، والمقام حالياً على مسرح الطليعة في القاهرة، في قاعة صلاح عبد الصبور.
العرض أداء.. طه خليفة (كبير الشياطين) ميدو عبد القادر (القس) فهد إبراهيم (الشيخ) إيمان غنيم (الفتاة الممسوسة) إيناس عزت (المجدلية) وكل من حسن نوح، مصطفى عبد الهادي، مارينا مجدي، أحمد عادل، كريم فراج، محمد علي، كريم نوار (فريق الشياطين). ديكور عمرو الأشرف، إضاءة عمرو عبد الله، استعراضات عمرو البطريق، مكياج إسلام عباس، ملابس مروة عودة، ومن تأليف وإخراج مناضل عنتر.

تشوّش الحكاية

فتاة مصابة بمس الشيطان، ويتحالف كل من قسٍ وشيخ لإخراجه من جسدها الواهن. هذه الفتاة التي تنتمي لوقتنا الحالي تبدو من نسل مريم المجدلية، التي كانت ممسوسة من قبل وقد أخرج السيد المسيح شياطينها السبعة من جسدها، وأصبحت بعدها آية أخرى. هكذا كانت المجدلية في الإنجيل. ليبدأ الصراع بين التحالف الديني وبين الشيطان وأعوانه. وما بين الوسوسة بالإغواء للمجدلية، وبين الفعلة نفسها للفتاة، تدور الأفكار التي حاول النص مناقشتها. بداية من الجملة الأساسية وهي أن «الإنسان عبد لرغباته»، وهو بذلك يترك عبودية الله ويصبح هدفاً للشيطان. الأمر الآخر هو (اليقين)، فهل يعتقد كل من القس والشيخ في ما يفعلانه، وهل هما من المؤهلين لطرد شياطين الآخرين، وماذا عن شياطينهما؟ ما بين قس اشتهى جسد الفتاة، التي تنتمي إلى ديانته، وبين شيخ لا يريد سوى الشهرة وجمع الأموال. لو اقتصر الأمر على الحكاية في الزمن الحالي لهان، أما التعرّض للمجدلية ونسلها فهو أمر شائك بطبعه، لأنه هنا لم يضف للنص أي جديد، اللهم إلا بعض التشوّش والمغالطات، ربما ليعمق صراعاً قديماً بين الشيطان والإنسان، لكن الأمر مردود عليه بأن هذا الصراع كان من قبل المجدلية وعصرها بكثير.

موقف الديانات

لم يخرج النص عن الفهم العام للديانات الإبراهيمية ــ اقتصر النص على المسيحية والإسلام، بما أنهما المُعتمدان في مصر الآن ــ دون أن يؤصل لحالة الموروث الشعبي المصري في الاعتقاد بالجن وعالمه. ربما كان بديلاً منطقياً لحال المجدلية ونسلها. الأمر هنا ابتعد تماماً عن كل ما هو عقلاني، فلم نزل نحيا حياة خرافية، تم تثبيتها وتأصيلها في عقول ونفوس المخلوقات، فالعالم الغيبي لم يزل يسيطر، ولم ينضج العقل ليتحوّل الشيطان/إبليس/عزازيل إلى مجرد رمز من الرموز الدالة، دون أن يظل فكراً ومُعتقدا. ومن الطبيعي أن يعبّر الفن عن حال البيئة التي يُنتج من خلالها، لكنه وفي الوقت نفسه ومن غير المنطقي أن يتبنى وجهة النظر، وحالة التجهيل، سواء مقصودة أو غير مقصودة، المرتبطة بعالم الجن والأجساد غير المرئية.

الخلاص

حالة الخلاص التي ينتهي بها النص، هي اعتراف القس بأنه اشتهى الفتاة بالفعل، كما أن الشيخ طاله الشك في ما يفعله، وهل هو عن يقين بالفعل، أم عن رغبة في شكل آخر كالشهرة والمكانة والمال. ومن الذكاء أن تنهي الفتاة الممسوسة حياتها بأن تقتل نفسها، وتترك حالة الصراع القائمة. وإن كان القتل بإيعاز من الشيطان الساكن جسدها. فلم يكسب أصحاب الديانات المعركة، كما هو مُتّبع في مثل هذه الحالات، ولكن هناك جولات لم تنته بين الشيطان وبينهما.

العرض

من الغريب أن الحكاية في تخبطاتها وعثراتها الكثيرة، تتحول أثناء العرض إلى لوحات جيدة التنفيذ، سواء الرقصات وأداء الممثلين والموسيقى والديكور والإضاءة، التي حوّلت المسرح إلى ساحة حرب فعلية بين الشيطان وأتباعه وبين القس والشيخ، والفتاة محل الصراع. بداية من تصميم قاعة العرض، حيث ما يشبه الأنفاق الخشبية بجوار المشاهدين، ومستوى منخفضا فوق خشبة المسرح لخروج الشياطين، ومحاولة جذب الآخرين لهم، وكأنهم يعيشون في كهوف وأماكن مظلمة، كذلك تغطية القاعة بالكامل بما يشبه الستائر، المنقوش عليها العديد من التعاويذ والأحجية التي تُتلى لفك السحر، كلمات ورسومات مُبهمة، لا يعرفها سوى المضروبين في هذه العوالم.
ثم أجساد الممثلين التي أصبحت تتشكل في حركات وتفاصيل غرائبية لتعكس حال الشياطين، تحركاتهم وطريقة كلماتهم ــ لغة العرض بالفصحى ــ خاصة في بث شكواهم، وحال الهزيمة التي يعيشونها بعد مجيء آدم ونسله، وقد ضاقت بهم الأرض، وابتعدوا إلى الأماكن المهجورة الخربة. كذلك حال ليليث وحكايتها مع سليمان الحكيم ــ حكاية فرعية رغم جمالها، إلا أنها لا تمت للنص بصلة ــ فقد قام اثنان من الممثلين معاً بتشكيل جسد هذه المخلوقة، لتبدو مخلوقة خرافية، بعيداً عن الماكياج الذي يوضح صورتهما الشيطانية، والذي كان معبراً ودالاً بدوره، حسب الاعتقاد السائد في المخيلة الجمعية لشكل الجن وما شابه من هذه المخلوقات، مما وصلنا من أحاديث وحكايات تفوق الخيال السيريالي.

(القدس العربي)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى