لوحات المغربي رشيد باخوز… احتفالية الحرف باللون

شفيق الزكاري

يعرض التشكيلي المغربي رشيد باخوز تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية آخر أعماله الفنية، في عالم الخط العربي، ابتداء من 4 إلى غاية 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 في رواق باب الكبير في الرباط، تحت عنوان «شطحات الحرف».

الاهتمام بالحرف

عرفت المدة الأخيرة اهتماما مبالغا فيه بالحرف في البلدان العربية، بينها المغرب، بعدما كان يقتصر فقط على القليل من الفنانين الذين اشتهروا بأساليبهم التشكيلية وجعلوا الخط محور أساسي في تجاربهم.
الاهتمام بالحرف، كان له امتدادات في التاريخ والزمن، منذ أبو علي محمد بن مقلة الشيرازي، وأبو الأسود الدؤلي، إلى حين مجيء الخطاطين الحداثيين والمعاصرين، أمثال محمد هاشم البغدادي وعز الدين دراكوفتش ومحمد حسني البابا ويوسف ذنون ومحمد سعيد الصكار، لتلتحق بهم كوكبة أخرى اهتمت فقط بالخط العربي كشكل جمالي، مع إفراغه من دلالته اللغوية، بينهم الفنان اللبناني وجيه نحلة، ثم جماعة بغداد للفن الحديث التي كان لها تأثير مباشر على مدرسة البعد الواحد، التي انخرط تحت لوائها كل من شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي ورافع الناصري وجميل حمودي.
الحرف له مرجعية تاريخية تغرف من عمق الحضارة العربية والإسلامية، وهناك بحث عن أساليب جديدة لتأسيس رؤية جمالية تستند إلى الموروث الثقافي الذي عرفته البلدان العربية، خاصة في بدايات استقلالها، بعدما كان الفن الفطري هو السائد آنذاك، لما حظي به من تشجيع من طرف الاستعمار، ما دفع بعدد من الفنانين العرب إلى البحث عن وسائل أخرى للتعبير، تمرداً على الأنماط السائدة والبعيدة عن ثقافتهم وهويتهم، محملين بأفكار ومشاريع ببعد مرجعي وبأسئلة حقيقية بمنحى عن الطرح الجمالي الذي لا يحمل هماً إبداعياً، ولا يستند إلى واقعهم المعيش.

تجربة باخوز

ويعتبر رشيد باخوز من بين الفنانين المغاربة الشباب الذين دخلوا باب المغامرة في فترة حديثة مستكملاً التجارب الرائدة في هذا المجال.
لكن الإضافة التي اعتمدها هو احتفاليته بالألوان وما فسحته من شفافية جعلت من السند مسرحاً لتراكمات كروماتيكية شكلت متعة مشهدية وخلقت تقابلات ظلية تدرجية ناتجة عن لقاء الضوء بالعتمة في تجانس لا محدود بمسحة باطنة ناتجة عن تفاعل الفنان بنشوة الإحساس أثناء اشتغاله.
كان للحرف في تجربة هذا الفنان نصيبه ومجاله المنسجم والمتناغم في إطار التركيب المجمل للمشهد التركيبي، بحركية استوعبت حدود الانفعال، وجعلت من اللون كالأصفر والأزرق والأحمر، مهيمنا أساسيا في ردهات المساحة، ليحتل الحرف عمق اللوحة كسيمفونية موسيقية غير مكتملة.
الأسود، هو المحدد الرئيسي للشكل الإجمالي، لتصبح هذه اللوحة أيقونة متحركة تعكس توجس وقلق الفنان ببعد تساؤلي ينحت من طبيعة الثقافة المغربية والعربية والإسلامية في الآن، من خلال عمل يفصل بين حدود التجريد والتشخيص، حيث الحركة بفعل الكتابة التي أفرغها من المعنى اللغوي، واللون الذي شكل قاعدة لتوزيع جميع الأشكال الكرافيكية التركيبية المحيطة.
التبرير غير المعلن في اختيار طريقة اشتغال باخوز، هو حصيلة نوعية تكوينه الغرافيكي المرتبط أصلا بهندسة الخط، وإفصاحه عن مكنون وخزان غير مرئي، لا يمكن القبض عليه إلا إذا توفر شرط الإحساس بأهمية خوالج الباطن، لما تعكسه أعماله من عوالم ميتافيزيقية، تستدرج العين للمشاهدة والتأمل.
كما تستدعي الوجدان للتفاعل، ضمن طقس روحاني قد يغيب فيه المادي ويحضر فيه ما هو صوفي لدرجة الحلول، فتصبح «اللوحة أنا وأنا هو اللوحة»، على حد قول الحلاج «ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه»، بما أن التحفة هي دليل على عظمة وجمال الخالق التي تلزم الكائن بأن يبرهن على وجوده من خلال ظواهر الجمال.
واستنادا لكل ما سبق، لا يمكن اعتبار تجربة باخوز إلا بداية لطرح أسئلة وجودية أملتها الظرفية الحالية، وجوابا عن ابتعاد عدد كبير من الفنانين المغاربة الشباب عن هويتهم، واستلابهم وانبهارهم وتبعيتهم لما ينتجه الغرب من أشكال، بعيدا عن مقوماتهم الموضوعية والروحية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى