30 عاماً على رحيل أحد أبرز الفلاسفة الإشكاليين

الجسرة الثقافية الاكترونية-الخليج-
ينتمي الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو “1926-1984” والذي يتم حالياً في عدد من بلدان العالم استذكار مرور ثلاثين عاماً على رحيله الذي يصادف يوم الأربعاء المقبل إلى مثقفي القرن العشرين الكبار الذين تركوا آثاراً بارزة في مجال الفكر والفلسفة والبحث والإبداع، إلى الدرجة التي استطاع أن يكون صاحب مدرسة تعرف باسمه، في قضايا فكرية مثيرة، اذ إنه لا يمكن تناول الملامح الرئيسية للفلسفة والفكر، ليس على نطاق فرنسا وحدها، فحسب، بل وفي الغرب، والعالم، إلا ويكون للرجل حضوره، فهو من يذكر اسمه مع البنيويين، وإن كان قد سعى لفك ارتباطه بهذا الحقل، وهو يحفر في مجال الأركولوجيا، والإناسة والدراسات .
يروى عن فوكو أنه كان خلال دراسته الأولى، مجرد طالب متوسط غير بارز، رغم أنه ولد في أسرة ريفية معنية بالثقافة، وتعرض في مطلع شبابه لحالة اكتئاب شديدة، وراح يتتبع أسبابها، ويدرسها بعمق، من خلال دراسته الجامعية في “علم النفس” و”الفلسفة” في آن . ويبدو أن فوكو رغم عمله في مجال التعليم، واعتباره من عداد أسرة جامعة أوبسالا في السويد، بيد أنه لم يستمر طويلاً في مجال التعليم، حيث أدرك أنه قادر على أن يصل إلى أوسع دائرة من المتلقين، داخل بلده، وخارجه، وذلك من خلال دراساته، وبحوثه الميدانية والتنظيرية الحرة .
يبدو لمتابع سيرة فوكو أنه اتخذ مواقف فكرية متناقضة، كما يمكن تقويمها للوهلة الأولى، فهو ينتسب إلى الحزب الاشتراكي، لمدة ثلاث سنوات، من من دون أن يكون فاعلاً ضمن هيئته الحزبية، ما جعله يضيق ذرعاً بهذه المؤسسة، وقد أعلن أن سبب ذلك ليس نتيجة ما كان يشاع ضده، من اتهامات تتعلق بعدم انسجامه، وصلاحيته، وقابليته للخضوع لآلة التنظيم، بل رأى أن السلوك الستاليني، في تلك الحقبة، كان وراء ذلك . هذا الإحساس لديه قاده فيما بعد-وتحديداً في السبعينات- كي يقدم عبر محاضراته، بل وكتبه، آراء، استفزت اليساريين .
ولعل هذا القلق الذي كان يسكن هذا المفكر، قاده إلى طرق أبواب كثيرة، منها ما هو إناسي، أو سوسيولوجي، بل وانخرط مع بعض أصحاب الدعوات المتنافية مع القيم المهيمنة، كي يدفع حياته ثمناً لذلك، نتيجة مرضه الذي كان سببه الإفراط في توغله في المختبر الاجتماعي، لأية ظاهرة يدرسها، وهو من عداد هؤلاء الذين يدعون إلى أن يعيش الباحث الحالة التي يتناولها، ويرصدها، وهو ما ظهر أثناء زيارته إلى أمريكا .
ولعل مثل هذا القلق قاد فوكو، وهو في إطار بحثه عن الحقيقة، وتشخيصها، أن يتخذ موقفاً فكرياً من الإيديولوجيا، بشكل عام، وهوما يمكن أن يفهم على ضوء تبنيه لأكثر من رأي فكري، على امتداد الخط البياني، لعقود اشتغاله في مجال الفكر، فهو البنيوي، وما بعد البنيوي، والرافض للبنيوية، كما أنه الحداثي، وما بعد الحداثي، وقارىء الأسطورة، والتراث، وغيرهما مما هو ماضوي .
وما يمكن أن يسجل على قراءته للموقف من السلطة، هو أنه قرأ أمثلة كثيرة من التاريخ عن العلاقة بين المثقف والسلطة، من خلال منظور المثقف، قديماً، وحديثاً، ومن بين ذلك ما ينتمي إلى التاريخ الإسلامي، أو الغربي، بل وكانت له لغته النقدية من السلطة، وما تجربته مع جامعة فنسن التي استلم عمادتها بعد حوادث ،1968 واصطدامه الشخصي مع الشرطة الذين هموا بإغلاقها، بتهمة تطرف القائمين اليساريين عليها، إلا أحد الأمثلة الواضحة على تشبثه برأيه، ونقده للسلطة، وممارسة ذلك على نحو عملي .