
الجسرة الثقافية الالكترونية- السفير-
«متنقلا بحسب ما تقتضيه الظروف الأمنية وجغرافيا سقوط القذائف» هكذا يمضي تجمع «ثلاثاء شعر» اجتماعاته في دمشق. ففي الوقت ذاته الذي تكثر فيه الاجتماعات السياسية والعسكرية، يختار أعضاء هذا التجمع الشعر كمهرب من جنون العاصمة من خلال «لقاء يختص بالشعر، ويجتمع فيه الشعراء الشباب من أجل القراءة والاطلاع على التجارب والحوار، من دون أي حاجة لوجود الجمهور»، كما يعبر زيد قطريب مشرف التجمع، خارجا من تلك التجمعات بديوان «كريستال طائش»، لمجموعة من الشعراء الشباب غير المكرسين في المشهد الشعري.
في «سأقبلك قبل أن تنتهي الحرب» يعلن «معاذ زمريق» علاقته بالحرب السورية، فرغم أنه «باتت البلاد أضيق من جرح قاصر»، إلا انه سيبحث بقصيدته النثرية هذه عن معاني الحب في الحرب. لكن هذا البحث المتفائل سرعان ما يختفي بقصيدته «مقتنيات كاتب فاشل»، هنا سيحمل النص النثري بؤس الشباب السوري في ساحة العبث، مخاطبا الجندي بلغة فقدت إيقاع كلماتها: «ألا تريد تذوّق ما سيجود به جسدي/ من دمار شهي؟!/ تعال لا تتردد/ لدي أخوة كثيرون/ نحن وجبة دموية كاملة الدسم!».
مخالفا لجاره في الديوان يتجه «أحمد علاء الدين» إلى المزج بين قصيدة النثر والتفعيلة، ما جعل نصه يظهر حينا بعباءة المباشرة الفجة. إلا ان تلك المباشرة تختفي حينما تحضر الأنثى في النص، فيخلق الشاعر الشاب بحضورها استعارات تسمو بلغته إلى مصاف الشعر «ها أنت جالسة على درج القيامة/ لا جثة، بل وردة تسوّر بيرقي المبحوح».
يتجه «احمد ودعة» في نصه إلى تكثيف المعنى، مفارقا اليومي البسيط عن الشعري المتعالي، فيغدو لنصه القصير جدا أثر الومضة الشعرية ذات المعنى الكثيف: «نعوش بنكهة الحياة/ والحب/ نعوش بطعم البرتقال والموز/ والضحك/ لست كباقي التجار/ السعر ثابت/ ولن يتغير/ هذا ما كان يقوله بائع الموت/ على باب الوطن». لا تغيب الأنثى عن نص «ودعة» الذي يظهر الكبت العاطفي والجنسي في الحرب، متأرجحا بقصيدته مع «ارتفاع ضغط الشهوة»، بين عاطفة تنضح بها لغة عالية الحساسية: «لا تضعي الكثير من السكر/ فالقليل من زرقتك/ يكفي».
لا تفارق الحرب وأحوالها نصوص «كريستال طائش»، إلا انها ترسم في نص «جوزيف حداد»، صورة سريالية يرسمها الشاعر بلغة شعرية تقارب الواقع ولا تكونه: «ربما سأقف في ريف دمشق/ بين حاجزين متضادين/ أشتم آلهتهم/ فأُقتَل رميا بالرصاص/ ربما أسرق مركبة فضائية/ لأحط بها على أعتاب أورشليم/ لأسلك درب الآلام/ فتصادفني أسراب من الميركافا/ أبصق عليها فتنفجر».
«أيها الموت/ تمشي بيننا ولا نراك/ تجلس وتسمع أحاديثنا وتثمل/ تختار الذين تحبهم ونحبهم/ تأخذ بطاقاتهم/ أرقام هواتفهم/ ولكنك كعادتك نذل/ إياك أن تقترب مني/ فأنا ميت قبلك… ميت بعدك». كذلك يخاطب آخر شعراء الديوان «أحمد سبيناتي» الموت، محاولا البحث بشعره عن طبيعة الموت/ النهاية، ملتفتا إلى الصورة الشعرية كعنصر أساسي في قصيدته.
لا يمكن محاكمة هذه النصوص على خلفية اكتمال التجارب الشعرية لأصحابها، بل على أنها «تجارب تتبلور» وأنها «كريستال طائش» يجمع الشعر شظاياه، ويفرقها صخب وعنف دمشق.