«الناب ـ TUSK» فيلم عن حيونة الإنسان… أداء ممتاز لم يكفِ لإنقاذ فيلم سقط في فخي المُباشرة والتكرار

الجسرة الثقافية الالكترونية
المصدر / القدس العربي
جوني ديب اسم كفيلٌ وحده بجذب أوسع شريحة جماهيرية إلى شبّاك تذاكر السينما حول العالم، فكيف إن وقف إلى جانب مايكل باركس في فيلم تمّ تقديمه كونه واحداً من ثلاثيّة سينمائية من تأليف وإخراج كيفين سميث، وأوّل هذه الثلاثيّة مبنيٌّ على أحداثٍ حقيقية! وعلى الرغم من هذا بقيّ فيلم «TUSK- الناب» بعيداً عن قوائم الأفلام الرابحة تجاريّاً ونقديّاً لعام 2014.
تكرار أم غياب للإبداع؟
أبرز إشكالات الفيلم تكمن في جوهر بنائه، للأسف، حيث نجد أنفسنا بالضرورة نعود إلى الفيلم الرائع «الجلد الذي أعيش فيه – The Skin I Live In» للمخرج الإسباني بيدرو ألمودفار عام 2011. يحكي الفيلم الذي كتب قصته ألمودفار نفسه عن طبيب تخونه زوجته ثمّ تتعرّض لحادث سيارة وهي تفرّ هاربة مع صديقها، يؤدي إلى تشوّهها نتيجة حروق خطيرة، إلى أن تقرّر إنهاء حياتها بإلقاء نفسها من النافذة. بعد سنوات من عمله البحثي حول إمكانيّة معالجة حروق زوجته وتشوّهاتها بالاستفادة من التقدّم الطبي في أبحاث الخلايا والزراعة للأعضاء الاصطناعية يجد الطبيب المخدوع فرصته للانتقام من كل شيء بالشاب الذي اغتصب ابنته الوحيدة، فيحوّله من رجل إلى امرأة.
هذا التحوّل الفيزيولوجي مشابه للعمليات التي يقوم بها كثير ممّن يولدون بأعضاء ذكرية وأنثويّة فيختارون أحد الجنسين ليكون هويتهم الوحيدة، لكن ما يعالجه الفيلم حقاً كان السؤال حول الهويّة التي تكمن داخل الشكل الخارجي، وعن إمكانيّة أي قوّة إجباريّة أن تفرض هويّة على الكائن يرفضها هو ويرفض الاعتراف بها.
أمام فيلم ألمودفار يبدو «TUSK» وكأنّه نسخة كرتونية غير متقنة الصُنع. بدءاً بالبُنيّة السرديّة للفيلم، وليس انتهاء بأنموذج التحويل ذاته. يُقدّم لنا سميث الصورة النمطيّة لمن يستحق أن يكون ضحيّة، الشاب الثرثار والس بريتون- يؤدي دوره جاستن لونغ، المغرور الذي يهزأ من ألم الآخرين ولا يعبأ سوى بأرباح عمله كمقدّم كوميدي لبرنامح على أحد مواقع شبكة الانترنيت، يتهوّر انطلاقة من جشعه ويذهب لمقابلة عجوز اعتزل العالم في منزله المهجور وسط غابات أحد مدن كندا بحثاً عن حكاية غريبة لحلقة البرنامج المقبلة، وحيداً يذهب إذ يبحث عن مجده الشخصي من دون صديقه الذي يعمل معه، ومن دون صديقته التي يبحث عن مغامرة عابثة بعيداً عن عينيها. لكن الثمن يكون باهظاً كما في معظم أفلام الرعب الأمريكية.
إذ يجد البحار الكندي المجنون هوارد هاو- يؤدي الدور ببراعة الممثل مايكل باركس ضحيّة جديدة له في شخص المذيع الهازئ، فيخدره وهو يشرب الشاي ليستيقظ الشاب ويجد أنّ ساقه قد بُتِرَت من الركبة. البحار الصادق مع ضيفه يخبره الحكاية الغريبة التي أتى بحثاً عنها. يخبره كيف تاه في البحر بعد غرق السفينة التي عمل على متنها طباخاً، وكيف أنّ «فيل البحر» قد أنقذه. وهو خيار فني غريب بذاته. إذ يُعرف عن هذا الحيوان البرمائي أنّه يعيش ضمن مجموعات أو قطعان، فلماذا كان وحيداً حين أنقذ البحار الشاب وبقي وحيداً معه إلى أن قتله البحار واقتات عليه؟!
لكن خلف قصّ الحكاية، حكاية. إذ أنّ جنون «هاو» يقوم على تحويل ضيفه إلى «فيل بحر»، يقطع قدميه، يخيط يديه إلى جذعه، يقتلع أسنانه ولسانه، ويلبسه ثوب «فيل بحر» صنعه من أجساد ضحايا آخرين ربما. ممّا يُعيدنا ليس إلى فيلم «ألمودفار» فقط، بل وكذلك إلى فيلم «مجزرة منشار تكساس» الذي أنتج أوّل مرّة عام 1974 من إخراج توب هوبر، حيث قام إد جين 1906-1984 وهو أصلاً من ويسكونسن بقتل النساء وصنع رداء من أجزاء من أجسادهن وجلدهنّ، وقد تكون هذه هي الأحداث الحقيقية التي تُشير إليها الجملة في بداية فيلم «TUSK».
المُباشرة تقتل.. ولمعات تضيء عتمة صالة العرض
لم تكن طفولة هاورد هاو مُشابهة لطفولة إد جين بقدر ما قاربت حكاية (V) البطل الثائر الرمز في الفيلم الشهير « V for Vendetta» الصادر عام 2006 بتوقيع جيمس مكتيغ مُخرجاً. فهاورد الطفل يجد نفسه يتيماً بعد مقتل والديه بوحشيّة من قبل سارقين، وهذا اليتيم ابن العشر سنوات يتحوّل إلى فأر تجارب وحشيّة لإشباع الرغبات الجنسيّة والماليّة للمسيطرين على دار الأيتام بقوّة سلطتهم الدينيّة والسياسية، لكن في حين نجح « V for Vendetta» بأن يكون فيلماً ثوريّاً- خاصة أنّه أتّى على أعتاب الربيع العربي- يسقط فيلم «TUSK» في فخ المباشرة، حين يعيد هاورد ويُكرّر أنّ الشر هو في الإنسان، وأنّ الحيوانات هي الصديق الوحيد الوفي. أنّ عالم الطبيعة نقي وعالم التمدّن وحشيّ، ولهذا هو يبحث عن رفيقه، يعيد إحياءه علّه يتغلّب عليه هذه المرّة ويقتله فيتحرّر من عقدة ذنبه الوحيدة التي يشعر بها!
وسط هذا كلّه يلمع أداء كل من مايكل باركس بدور هاورد هاو، خاصّة في مشاهده الأوّلى التي يقف فيها على حافة شخصيّة «الروائي» أكثر من كونه المُضيف. هنا ينجح «باركس» في أن يُظهر أنّ سيطرته لا يستمدها من موقعه المكاني كصاحب منزل، بقدر ما يستمدها من كونه الراوي كُلّي المعرفة، أمام جهل ضيفه. فيمسك بالحديث ويقوده إلى حيث يشاء كما يقود ضيفه إلى المصيدة. أداء لم يتطلّب حركة جسديّة بقدر ما احتاج مقدراتٍ صوتيّة وخبرة أدائيّة قدمها «باركس» بحرفيّة لم يضاهها ربما سوى مناورة جوني ديب، الذي خلع عباءة «قراصنة الكاريبي» من دون أن يودّع صديقه جاك سبارو بشكلٍ نهائي. فالممثل المعروف بقدرته على تقديم شخصيّات غرائبيّة، والعمل على تفصيلها لتكون فريدة بذاتها يحتفظ بالقليل من ملامح شخصيّة جاك سبارو الشهيرة، فيضيف إلى شخصيّة المُحقق الخاص التي يؤديها في هذا الفيلم التشوش الكلامي الذي يستغله «سبارو» ليتلاعب بخصومه، المسحة الساخرة، وأسلوب الكلام ذاته تقريباً، لكن «ديب» ليس ذاك الممثل الذي يرتدي ثوباً فلا يعلم كيف يخلعه.
أسوأ مشاهد الفيلم هو آخرها، حين يرفض مخرج العمل أن يُنهي الفيلم بالنهاية الوحيدة المنطقيّة، ألا وهي قتل ذاك الكائن الوحشي الذي أنتجه «هاو» قبل وفاته. لنجد كيف لا تزال صديقة «والاس» تؤكد له حبّها- هي التي قدمها على كونها تقيم علاقة مع صديق والاس في العمل!!- وهي تناوله السمكة ليأكلها بعد أن بقي عالقاً ـ بأعجوبة علميّة ـ في كينونة «فيل البحر»!!