الحب والفنتازيا ذاكرة رحيل (الكاتبة اسيا جبار) – عيسى ابو الراغب

الجسرة الثقافية الالكترونية
اعداد / عيسى ابو الراغب
ليس من الحق أن نقول أن عالمنا العربي عقيم لا يلد الإبداع فها نحن في حاضرة تميز متفرد بمعانيه وبصمة كانت قادرة أن تثبت للغرب والشرق لمغرب الشمس ومشرقها القدرة على الخروج بحالة أدبية إبداعية تسجل في التاريخ
ويجب التأكيد على أن الموت لا يغيب حالة الإبداع ما دام الإنسان قادر انه يترك أثرا خلفه للأجيال التي تليه
رحيل الإيقونة الأدبية ذات القامة العالية في عوالم الأدب والتي كانت تتهيأ لنيل جائزة نوبل هو مصاب جلل بالتأكيد فتلك السيدة والشخصية العربية والتي تمكنت من دخول الاكاديمة الفرنسية والتي تسمى مؤسسة الخالدين ،فقد دخلتها كروائية ولها بصمتها في كتابتها الأدبية وكانت قادرة ان تحفر اسمها في واجهة الإبداع العالمي
أسيا جبار رحلت عن عالمنا لتترك فراغا كبيرا حيث تعد تلك الكاتبة من الأقلام التي رسمت تميزا وبصمة لن تزول
من هناك من بلاد الشهداء أتت وولدت على تلك الأرض، فاطمة الزهراء وهذا اسمها الحقيقي ولدت عام 1936 في مدينة شرشال، حيث تلقت دراستها الأولى في المدرسة القرآنية قبل أن تلتحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية في مدينة موزايا ثم البليدة فالجزائر العاصمة. وكان لوالدها دور مهم في تشجيعها على متابعة تحصيلها العلمي، وهي تصفه “بالرجل الذي يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية”. ولم تمنعها دراستها في فرنسا من المشاركة في تظاهرات الطلبة الجزائريين المؤيدين للثورة الجزائرية. وكانت في كثير من الأوقات تحاول دس الفكر الذي غرسه والدها بنفسها في كتاباتها لتعلن للجميع انه يمكن ان يخرج من رحم ارض الشهداء فكرة وايمان عميق بفكرة الحياة وأحقيتها
حيث أبدعت الروائية في اللغة الفرنسية وبنفس الوقت لم تتخلى عن إيمانها بالقضية الجزائرية وكانت على الدوام مدافعة عن تلك القضية ومؤمنة بقضية التحرر والانفتاح والتي غرسها والدها في نفسها منذ نعومة اضفارها وكانت على الدوام تقول بكل حديث لها “غربتي لغتي”. إلا أن هذا الإحساس الداخلي بـ “الغربة اللغوية” لم يحل دون قيام علاقة وطيدة روحية بينها وبين الفرنسية، التي أحبتها واعتنقتها وأبدعت فيها أيّما إبداع.
وعند ذكر أسيا جبار لا بد أن نعرج على كتابها لا مكان في بيت أبي والذي يعد بصمة ثابتة من كتاباتها والذي تحدثت فيه عن سيرة فتاة تعيش في الجزائر العاصمة، تخرج من الثانوية حيث تتابع دروسها وتجول في الشوارع فرِحَةً بما ترى. غير أنّ هذه الحياة العذبة جاءت قبل عام واحد من انفجار كبير هزّ البلد بأكمله ،”أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد…”. وراء هذا النفَس الشعري، نقرأ أيضاً أنّ الكتابة فعل أمل وتعبير عن التزام بالإنسان وتطلّعاته وهمومه.
وباعتقادي انه برحيل تلك الكاتبة الكبيرة لم تتوقف مسيرتها فهي تركت أرثا لا يزول من كتابات أدبية إبداعية ويجب على الكتاب الاهتمام بتلك الكتابات والغوص فيها لإخراج الدرر المكنون في باطنها ومحاولة الدراسة المستفيضة للاستفادة من تلك الحالة الإبداعية التي كانت تكتب فيها الكاتبة الجزائرية
ومن الحق أن يكون على الدوام ذكر لإعمال تلك الكاتبة حيث توالت أعمالها الروائية بين الجزائر وفرنسا، من رواية “العطش” إلى روايات أخرى: “بعيداً من المدينة”، “نافذة الصبر” “شاسع هو السجن” و”ليالي ستراسبورغ”… في هذه الروايات تروي الكاتبة أيضاً جزءاً من سيرتها وسيرة بلدها، وتستند إلى التاريخ كأحد العناصر الأساسية في بلورة أعمالها بدون أن تنتمي هذه الأعمال إلى صنف الرواية التاريخية، بل هي أبعد ما تكون عن ذلك.
في عام 1989 أصدرت روايتها “الحب والفنتازيا” لتعطي الكلمة لجميع النساء، ليصفن حرب التحرير، ويندمجن في مجتمع منفتح فيجدن أنفسهن في حيرة من أمرهن، مرة خاضعات، ومرة ثائرات ومتمردات، وهو تضاد تعيشه الجزائريات منذ الاستقلال، وفي “الحب والفنتازيا ” جانب تاريخي مهم حيث يطلع المشاهد على وثائق تاريخية لضباط أمثال “بيليسي”
و “سانت ارنو” والنهب الذي تعرضت له مدن جزائرية خلال الاستعمار
أما روايتها ” الملكة المستترة ” الصادرة عام 1990، وهي المرحلة التي دخلت الجزائر فيها مرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، فتتحدث عن نساء الطبقة الوسطى والغنية وتصور لنا امرأتين تحاولان التخلص من القيود الاجتماعية التقليدية. وفي روايتها “بياض الجزائر” الصادرة عام 1996، بكت آسيا جبار أصدقاءها المثقفين الذين اغتيلوا في الأزمة التي ألمّت بالجزائر .. اغتيلوا ببشاعة ورحلوا في صمت رهيب كما بكت الإنسان أينما وجد.
خاضت الكتابة الأدبية والمسرحية والإخراج السينمائي بنجاح، فنشرت أول أعمالها الروائية وكانت بعنوان «العطش» (1953) ولم تتجاوز العشرين من العمر، ثم رواية «نافذة الصبر» (1957). بعد استقلال الجزائر توزعت جبار بين تدريس مادة التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة «المجاهد»، مع اهتمامها السينمائي والمسرحي.
وفي عام 1958 تزوجت الكاتب أحمد ولد رويس (وليد قرن) الذي ألف معها رواية «أحمر لون الفجر» وانتقلت للعيش في سويسرا ثم عملت مراسلة صحفية في تونس. ولأنها لا يمكنها الانجاب، تبنت في عام 1965 طفلا في الخامسة من عمره وجدته في دار الأيتام بالجزائر اسم الطفل Mohamed Garne محمد قرن الذي أعترف به في عام 2001 «ضحية حرب» من قبل الحكومة الفرنسة. ولكن زواجها واجهته مصاعب عديدة فتخلت عن ابنها بالتبني وانتهى زواجها بالطلاق عام 1975
رحم الله الكاتبة المبدعة أسيا جبار الانسانة ذات القضية والفكرة والإيمان