في الكتابة والسؤال / إدريس علوش (المغرب)

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-
لماذا تكتب؟
ربما لأحس بمعنى وجودي على هذه الأرض،أو على الأقل لألقي بحصاي في بركة آسنة.أو ربما لاعتبارات تخص نمط تفكيري وعلاقتي اليومية بفعل الإبداع والكتابة، بالوجود أيضا وبفلسفة الحياة ،وبقضايا أخرى مختلفة ومتعددة. وبمعنى آخر هناك أكثر من سبب وضرورة ورغبة وإرادة تجعلني ممارسا لفعل الابداع و لفعل الكتابة.
متى تسعفك الكتابة؟
الأكيد أن لا علاقة للوحي بالكتابة ، ولا حتى مايسمى بالإلهام ،ولا توجد كتابة تنزل من السماء-هذا ما أعتقده وهذا ما افكر فيه وأمارسه-.الكتابة موجودة في الأرض ،وما دام يمشي المبدع على أديمها ويفكر فيها من موقع الوعي والمسؤولية فهي ستلازمه وربما كقدره أو ظله.انا لا انتظر من الكتابة ان تسعفني فانا عادة أذهب اليها ،وتحديدا من الساعة التاسعة الى الثانية عشرة صباحا،واتم مابدأته في المساء أو الليل اذا ما اقتضت الضرورة ذلك ، وهذه الضرورة قد تكون التزاما مع أحد المنابر او الإطارات.وايضا يحلو لي الكتابة في المقهى وانا احتسي قهوتي بالتأكيد وانا ادخن غير مبال بما يحدث حولي من وقع وضوضاء.
متى تهزمك القصيدة؟
لا أعتقد اني في حالة صراع مع القصيدة والعكس هو الصحيح تربطني بها صداقة لامتناهية، ويحدث ان تصبح عندي شأنا يوميا وأفق انتظار ورؤيا ،واذا ما استعصت علي أعود للقراءة،وربما احتاج ان أسافر أو على الأقل ان اتمشى ، لان القصيدة تحتاج لهواء يتجدد باستمرار.
هل يستقيم اليوم الحديث عن الشعر في ظل انتشار ثقافة الصورة؟
الصورة أساسية في الشعر،اساسية لدرجة الضرورة ، ودونها لا يستقيم حال القصيدة،ومنذ عصر ماقبل الاسلام او مايسمى تجاوزا بالعصر الجاهلي ،ومع فحول الشعراء مثل امرئ القيس،وعروة بن الورد،والشنفرى…كانت الصورة الشعرية هي التي تميز قوة ابداعهم وربما لهذا الاعتبار صمد هذا الشعروترسخ في ذاكرة الرواة.غير اني اعتقد ان مايحدث الان في موازاة انتشار ثقافة الصورة بفعل وقوة التطور الحاصل الذي تعرفه وسائل التواصل والاتصال وتعدد وسائطهما: فضائيات ،انترنيت، محمول…هوسلطة الصورة،بحيث اضحت الصورة الآن سلطة تفرض شروطها وبقوة على العين و المتلقي وقد تأسره الى حد الاستلاب اذا لم يكن مسلحا بمعرفة نقدية عالية،وطبعا هذا يندرج ضمن المخططات الاستراتيجية للفاعليين الاساسين في منظومة النظام العالمي المعولم. وهذا باب كما يقول المناطقة يعسر سده لتعدد وتشابك مسالكه ودروبه.
الصورة الشعرية المستمدة من المتخيل الابداعي لكل شاعر ستستمر وتتواصل لأنها فاعلة في الاستعارة التي تعد من جماليات الشعر.لكن اذا كان المقصود بالشعر وعلاقته بتطور التقنية فاعتقد أننا لم نصل بعد الى مستوى كتابة القصيدة الرقمية التي تعتمد بدورها توظيف الصورة والموسيقى والحركية.
وما الذي تجده من طقوس خاصة في خلوتك الشعرية؟
أهم ما في الكتابة هي انها شأن ذاتي وخاص،وعلى مستوى الطقوس بالتأكيد أنها تتفاوت من مبدع الى اخر،الشاعر الراحل محمود درويش على سبيل المثال والذي اعتبر ان الشعر العربي الحديث والى يومنا هذا لم يجد بمثله،كان لديه طقس خاص في الكتابة، وهو يذهب الى القصيدة كم لوانه يذهب الى الوظيفة،ولا يحدث هذا الا بعد ان يتأنق-هو بالمناسبة شاعر أنيق جدا ويعشق الاناقة- ويحلق وجهه ويرتدي ربطة العنق، وبعد ان يلتحق بمكتبه يبدأ اشتغاله على القصيدة. هذا مثال ليس إلا ،والأمثلة عديدة ومتعدة ومتفاوتة من مبدع الى اخر كما اسلفت.
وعني،في السابق كنت أراهن على الليل و “الليل مهنة الشعراء وكفى”،الآن اختلف الوضع تماما إلا فيما ندر، اختلف لأني اخصص جزءا مهما من هذا الليل وخصوصا في بداته للماس مع ابنائي والتواصل معهم .فكل علاقتي بالكتابة الآن تكون في الصباح،وأحيانا في المقهى كما أسلفت،وأحيانا أخرى في بقع مختلفة من هذه الأرض.