غانم السليطي يتهم المسؤولين بعدم تهيئة الجو للإبداع

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أشرف مصطفى

المصدر: الراية

 

يشعر الفنانون أحياناً بأن هناك ما ينقصهم ويؤثر بالتالي على قدرتهم في تقديم الخدمات الفنية للجمهور، إلا أن هناك من يتهمهم في بعض الأوقات بالتقصير، وبين اتهاماتهم التي يلقونها على أكتاف البعض والاتهامات التي توجه إليهم نرى أنفسنا نقف في المنتصف، وعلى ذلك نحاول من خلال تلك الزاوية تقريب وجهات النظر ومحاولة الخوض في بعض تفاصيل أبرز الإشكاليات التي تواجه الحراك الفني لمعرفة أصوله وتداعياته من خلال عرض كافة الآراء، وذلك عبر محاكمة افتراضية يتم خلالها توجيه بعض التهم إلى الضيف، ثم ننتقل إلى مرحلة أخرى يقوم خلالها الضيف بدور وكيل النيابة الذي يلقي هو بالاتهامات على من يراه مقصراً، ثم يقوم في المرحلة الأخيرة بإلقاء عدد من الأحكام على هؤلاء المقصّرين.

 

اتهامات

 

في البداية أخذ الفنان غانم السليطي موقف الدفاع عن نفسه حيث ألقى بدفوعه عن بعض التهم التي وجهناها إليه ويأتي في مقدّمتها ابتعاده عن النشاط المحلي، ومهرجان الدوحة المسرحي سواء من خلال المشاركة أو مشاهدة الأعمال والتفاعل مع الفنانين الذين يخوضون العمل في هذا المهرجان، وكذلك ابتعاده عن مشاهدة الأعمال الشبابية، حيث أعرب بعض الشباب عن أسفهم لهجرة عدد كبير من الفنانين الكبار لصالة العرض الخاصة بالمهرجان الشبابي فلم يحرص الكثير من ذوي الأسماء اللامعة على تشجيع الشباب بالحضور وتساءلوا كيف يتم لهم ترشيحهم في الأعمال الاحترافية معهم دون الاطلاع على تجاربهم الشبابية، كذلك وجهنا إليه تهمة عدم الإقدام على العمل كالسابق وتحدي الظروف التي يراها سيئة وهو الذي قدّم من قبل مثالاً حسناً في تحدي العواقب، عندما قام بعرض إحدى مسرحياته في عز ازدحام الأعمال خلال موسم القطاع الخاص بالقاهرة.

 

الفنان غانم السليطي دافع عن نفسه قائلاً: أتشرّف وأعتز بكل هذه الاتهامات فأعتبر صمتي ظهوراً وعدم عملي عملاً في حد ذاته، وقدّم دفوعه عن تلك التهم مؤكداً حرصه على عدم اشتراكه بما أسماه “شيء وهمي”، ولفت إلى أن المهرجان الحقيقي هو الارتماء في حضن الجمهور بدلاً من الحرص على إنجاز مهرجان إعلامي الهدف الأساسي منه هو القول زوراً خلال أسبوع بغرض التأكيد على أن الساحة المسرحية القطرية تملك ثمة مسرحاً ناجحاً، وأكد السليطي أن الأهم من مهرجان للمسرح المحلي أو الشبابي، هو الاهتمام بتوفير عروض مسرحية على مدار العام مع العمل على بناء مسارح في المدن وتنشط الحركة المسرحية وإرساء موسم مسرحي يلتف حوله الجمهور ويحرص على متابعته، ولفت إلى أن المهرجانات المسرحية التي تقام تفتقد الهدف الأساسي من إقامتها، وهو تقديم صفوة الأعمال التي سبق وقدّمت للناس وتجميعها في مكان واحد بغرض تلميعها وتكريمها تقديراً لمن عملوا فيها بعد نجاحها، وأضاف أن ما يحدث خلال هذا الأسبوع الذي أسماه أسبوع التزوير المسرحي هو حالة تجميل للمسرح القطري الذي فقد جمهوره.

 

وأكد أن الشباب ليس بحاجة إلى مهرجان بقدر حاجتهم إلى تدريب على يد محترفين ومتخصصين في المسرح، لافتاً إلى أن عملهم كل عام داخل ذات الإطار المسرحي بمهرجان المسرح الشبابي لا يضيف لهم شيئاً لأنهم لا يتعلّمون خلاله الجديد بل إن ما عندهم من علم يظل كما هو إذا لم يضف إليه جديد من قبل الخبراء والمختصين، وأضاف قائلاً: أتمنى أن يقدّر الشباب موقفي ويحترمون رأيي في هذا الأمر إذ أنني لا أحب أن أكون صورة ضمن ذلك البوستر وأكون أحد أفراد هذا الشو.

 

وقال: لا أعتقد أن الفنان مقصر في شيء لكنه ضحية فهو مثال للصبر والنضال، وعشق الفن، لكن المفقود هو إيمان مؤسسي شامل بأهمية دور الفن، مضيفاً: نحن نعيش في مجتمع متقدم متطور يزخر بمبان وعلوم وجامعات واقتصاد قوي وإعلام وصحة واستثمارات لكن بدون ثقافة ومشهد فني به حراك، وهو ما يجعل الوضع يشبه أكلة فاقدة للبهارات، كل شيء يتم الاهتمام به في قطر إلا الحركة الفنية فهي متروكة لصدور الفنانين وبطارياتهم الذاتية فلماذا نلوم الفنانين؟.

 

وكيل النيابة

 

في المحور الثاني من الحوار انتقلنا مع الفنان غانم السليطي ليؤدي معنا خلال هذا الحوار دور وكيل النائب العام ويتلو بعض الاتهامات ضد أي من يراه سبباً في أي تقاعس ضد مسيرة الحياة الإبداعية سواء كان من الوسط الفني، أو من الجمهور، أو من المسؤولين وليطلب تنفيذ أقصى عقوبة عليهم.

 

في البداية أكد أن الاتهام الحقيقي يرتكز على عدم الإيمان بدور الفن الحقيقي مؤكداً أن أي نواقص أخرى في الساحة المسرحية تنبع بالأساس من المشكلة الأم، وقال: يجب التعامل مع المسرح انطلاقاً من الإيمان بدوره الحقيقي أولاً، وهو ما يعتبر البوابة الواسعة وأعتقد أنه إذا آمن صنّاع القرار بدور الفن في المجتمع ستغيب كل السلبيات، وقلة الوعي بدور الفن هي أحد أسباب تأخره، فالفنانون يعملون بالدفع الذاتي ونتمنى أن يصبح الفن مهنة ويصبح له جمعيات وحماية وحقوق، لأن ذلك هو علة العلل، وعلينا أن ننطلق من العلة الكبرى دون النظر إلى تفاصيل قد لا تعني أي شيء خلال المرحلة الحالية، فمشكلة دور العرض أو انحسار الموسم المسرحي في مجرد مهرجانين ليس هو المشكلة الرئيسية لكنها تداعيات لعدم الاهتمام بالفن ورعاية الفنانين. وأكد أن المشكلة تكمن في التصنع بالاهتمام بالفن وهو ما ينسحب على المسرح والدراما التليفزيونية، ويتجلى في حقيقة وضع الفنان في المجتمع، ووصف الحالة التي يمر بها الفن اليوم بكونها حالة بوسترية تعتمد على الشو غير المفعّل. مؤكداً أن الاهتمام ببعض التفاصيل الخاصة بمشكلات المسرح تعتبر نوعاً من الترف وهنا يكمن السؤال الحقيقي ألا وهو “أين الإبداع؟”، مؤكداً أن ضعف العملية الإبداعية يُعد مؤشراً خطيراً، مشدداً على ضرورة أن يكون الفن والثقافة من أساسيات تنمية المجتمع برصد أكبر الميزانيات لهما، وأن يحظيا بذات أهمية الصحة والتعليم، وأكد أن المسرح بشكل خاص يعتبر ذا دور توعوي ويُعد شكلاً من أشكال التعليم المتطور، ولا يجوز في مجتمع ينشد التطور أن يتم فيه تجاهل الفنان، قائلاً: مهنة الممثل هي الوحيدة غير المعترف بها في قطر، وفي مجتمعنا لا توجد مهنة اسمها مهنة التمثيل حيث إنها غير معتمدة في أي تركيبة إدارية وبينما توجد مهنة لاعب كرة قدم أوكرة سلة أو طائرة ومدير فني لفريق لم تصل كلمة مبدع لمكانها الحقيقي الذي تستحقه كمهنة لها أصولها وشروطها وقواعدها. وأكد أن الجمهور القطري لا يختلف ذوقه عن أي جمهور في العالم وعندما يشعر أن الفن يتناول قضاياه الهامة ويرى مشكلاته سيُقبل على مشاهدة الأعمال الفنية ويتعلق بها فيكون حريصاً على متابعتها.

 

قاضٍ

 

في المرحلة الثالثة قام الفنان غانم السليطي بدور القاضي وألقى نص التهمة وأصدر حكمه، مؤكداً أن التهمة الأساسية موجهة لكل من يقصّر من أصحاب القرار في تهيئة مناخ صحيّ للعمل الفني، أو يقوم بتوجيه دفة الفن حسب ما يريد، وأكد أن الفنان يجب أن يعمل حسب بوصلته الذاتية فيقدّم ما يشعر أن مجتمعه بحاجة له، وليس من خلال برنامج “ما يطلبه المسؤولون”، وأكد أنه لو كان بيده الأمر لعمل على تقديم ما يهم الناس والابتعاد عن ثقافة الخمس نجوم مع ضرورة الاقتراب بثقافة الفرجان والأحياء الشعبية، وإنشاء مراكز ثقافية في كل مكان بقطر، إنشاء أندية للقصة في كل المناطق، إنشاء مراكز مسرحية في كل مكان، وأضاف: سأمسك بيد المسرح وأبعده عن مفهوم السوق مع العمل على أن يكون هناك موسم مسرحي، وإنشاء دور عرض جديدة وإعلانات عن المسرح في كل مكان، وتعزيز الترابط بين المسرح والجمهور ولن أجعله مجرد طبل إعلامي، فهناك عوائق عديدة جمّدت المسرح في قطر، ويجب العمل الآن على إزالتها حتى تكتمل الصورة خاصة بعدما حققته قطر من نجاحات في كافة المجالات والصعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى