السردال .. مزاوجة بين الصورة السينمائية ومسرح الفرجة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أشرف مصطفى
المصدر: الراية
مزاوجة بين الصورة السينمائية ومسرح الفرجة الشعبية ميزت العرض المسرحي “السردال” الذي حمل في طياته إسقاطات كبيرة تم تقديمها بطريقة مختلفة، أختص بها الفنان فالح فايز الذي تتسم أغلب أعماله بميلها نحو طريقة القطع المستخدمة في الفيديو، فبصورة أقرب إلى السينما وأبعد عن المسرح قدم المخرج هذا العمل معتمداً على الديكور الواقعي والقطع بين المشاهد على طريقة العروض السينمائية.
المسرحية من إنتاج شركة السعيد للإنتاج الفني وإخراج فالح فايز، وتأليف الكاتب الإماراتي عبدلله صالح الرميثي والمواويل الشعرية من كتابة الشاعرة البحرينية فتحية عجلان، وفريق عمل المسرحية يتكون من: فهد القريشي، محمد حسن، علي الشرشني، خالد الحميدي، فوز الشرقاوي، أسرار محمد، محمد السياري، مشعل المري، محمد أحمد، إبراهيم موري، محمد حسن، حسن عاطف، خالد يوسف، فراس، أمير دسمال من البحرين وآخرين، ومساعد المخرج محمد يوسف، ديكور أحمد عقلان.
قدّم فايز العمل معتمداً على قرب مسرح الفرجة من الجمهور وعمل على خلق ذلك الجسر بين الخشبة والصالة والذي يعتمد عليه المسرح الشعبي، وحاول أن يعطي العمل أبعاداً تضمنت العديد من الدلالات التي تتخطى قصة المسرحية ذاتها، واجتهد الممثلون في محاولة تشخيص تلك الرموز التي حملت إسقاطات تاريخية على الواقع الحالي، مع توضيحها من خلال الأداء الذي غلب عليه الطابع الفرجوي.
ومسرحية السردال تعني باللهجة العامية القديمة “التاجر الهندي” وهو التاجر ذو القبضة الاقتصادية، وتدور القصة منذ أيام الاستعمار والاحتلال الإنجليزي الذي يمثل القبضة الأمنية والتجار الهنود الذين يتحكّمون في مصير المنطقة العربية التي يحتلونها من خلال هاتين القبضتين. وتدور أحداث العمل حول سيطرة الهنود على مغاصات اللؤلؤ أثناء الاحتلال، وكذلك كل معابر التجارة في الخليج، حيث جلبهم الإنجليز بقصد تعمير البلد، وتدور الكثير من الأحداث لمحاولة مقاومة الاستعمار والتمرد عليه، وتتناول المسرحية العديد من الصراعات بين الاحتلال البريطاني وأهل الخليج، فبينما نجد الزوجة الشابة قماشة التي تنتظر عودة زوجها من رحلة الغوص، نجد السردال وهو التاجر الهندي الكبير يسعى بكل ما لديه للتحكم في القرية وعلق قبضته عليها حتى أنه يتحكم بمصائر أهلها فتتزوج قماشة في نهاية المسرحية من أحد رجاله، وهو “خماز” ذاك الإنسان البسيط الذي يستمتع بنقل الأخبار بين الناس ولديه علاقة وطيدة مع السردال “شنكر” ، بينما نجد “الملا” وهو الشخص الحكيم في القرية والذي يهتم بمصلحتها ويدافع عن حقوق الناس ويساند شيخ القرية أمام الاستعمار الإنجليزي، يكون له عدد من الأعداء نتيجة صراحته الزائدة عن الحد.
قدم فالح العمل بطريقة تراثية أشبه بالصورة السينمائية مستخدماً الديكور المعقد بعض الشيء والذي حاول من خلاله أن يتواءم مع الشكل التراثي فاعتمد مصمم الديكور على التفاصيل أكثر مبتعداً عن التجريد الذي كان من الممكن أن يعطي الإيحاء المسرحي فقط، فاقترب لأقصى حد إلى الشكل الواقعي، وهو الذي ساعد على تحقيق رؤية المخرج بصفته جزءاً أساسياً في إكمال الحالة الفلكلورية المراد تحقيقها عن طريق استحضار الماضي متمثلاً في قطع الديكور التراثية. كما لجأ كذلك العرض لمزيد من الإضاءة شأنه في ذلك شأن أعمال الفيديو، إلا أن الأمر خرج عن الحد المطلوب في بعض اللحظات حين أعاقت قوة الإضاءة بعض المشاهدين في أماكن معينة بالمسرح من المشاهدة بوضوح، ولأن المسرحية تناولت أحداثها ضمن إطار التراث، فقد عمد المخرج على أن يجعل الملابس تدل على فترة بعينها من فترات الخليج وهي تحديداً فترة الاحتلال، وذلك في إطار حرصه على إظهار جماليات الفلكلور الخليجي، وللمساعدة على إبراز الحالة العامة للمشاهد وهو الأمر الذي أفاد بلا شك إبراز الجو العام المسيطر على كل مشهد، وبالتالي وصول فكرة النص إلى المتلقي.
أداء الممثلين في العرض كان جيداً، فالممثلون جميعاً كانوا يؤدون أدوارهم بشكل احترافي، ساعدهم في ذلك الحالة الفلكلورية ودراسة طبيعة الشخصيات بإتقان خاصة الفنان فهد القريشي الذي أدى دور السردال وتمكن من تقديم اللهجة على النحو المطلوب وبصورة مفهومة ومسموعة على نحو جيد، وكذلك أجاد كل من الفنانين أمير دسمال وأسرار محمد وفوز الشرقاوي وعلي الشرشني، ومحمد حسن، ويتضح أن هناك جهدا كبيرا بذله المخرج في إدارة الممثلين وتوجيههم. فقد أعطى فايز من خلال هذا العمل وكعادته دائماً مساحة وافرة لعدد من الممثلين الشباب ليحصلوا بذلك على فرص للمشاركة في مثل هذه المحافل والمهرجانات الهامة.