موسيقى صوفية: نشوة الوصال

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أورلش براندت

المصدر: السفير

 

في البدء رنّ العود وحيداً. فكانت مقدمةً مؤثرة، طغت فوراً على كلّ شيء آخر، واحتلت الموسيقى وحدها مكان الصدارة. ثمّ عزفت آلــــة الكمان نغماً صادحاً مترعاً بالحنين. وجاد البيانو الإلكتـــروني بلآلئ صافية كالبلّور، فصمت العود لحظةً. وبعـــد ذلك تسلّم زيـــاد سحّاب قـــيادة الفرقة الرباعــية، فعزف ألحاناً أندلسية نوعاً ما، وأخذ ضابط الإيقاع يقرع طبوله بيديه المجردتين وبرقّة متناهية.

كان هذا حفلاً افتتاحياً أقيم في «قسم فنون الإعلام في الجامعة اللبنانية ـ الأميركية». فدخل المغني أحمد حويلي المنصّة بعد القطعة للأولى، وأخذت الفرقة تخفض من صوت العزف وتستعيد أنفاسها حالما ارتفع صوت حويلي بغنائه الدافئ والجليّ النبرات. فصارت الأنغام تأتي من أعماق القلب وتنثر الصور على نحو طليق، ولم يكن الغناء في الواقع بحاجة إلى مصاحبة آلة الكمان التي رافقت الفرقة منذ الفقرة الأولى. لكن حالما بدأ الدراويش الثلاثة بالرقص أحدث الكمان أثراً تكاملياً مبهجاً، فكان يلتقط حركات الراقصين بدقّة وعلى نحوّ فنّي راق.

ويجب أن أعترف هنا بأنني لا أفهم اللغة العربية، فكان هذا أوّل حفل حيّ للموسيقى الصوفية أحضره في حياتي، بيد أنّ حويلي كان ينشد بطريقة جعلتني أتحسس روح الأغاني وصوفيتها. وبعدما أخذ الدراويش يدورون حول أنفسهم والغناء يلهج بذكر الله بوجد ونشوة، حبست أنفاسي فترةً. وبدت وجوه الراقصين مسترخيةً وخاليةً من التوتر، ولم يظهر عليها أيّ جهد، فتوحّد الغناء والموسيقي والرقص، حتّى غمرتني النشوة أنا أيضاً.

وقُدّمت على المنوال ثماني قطع من الموسيقي التأملية الهادئة ذات الإيقاع المتمهّل والمتناوب مع الألحان والتراتيل المدركة ببساطة. وكان حويلي يمتدح الحبّ الموجه إلى الله كلّ مرّة من جديد، حتى أنهى الدراويش الثلاثة المساء برقصة جديدة وهم ينادون الله بنشوة الوصال. فدوّى التصفيق عالياً وطويلاً للعازفين والراقصين معاً، وبقيت ثلاث دوائر رقيقة على المنصّة حيث استدار الدراويش، فكان حفلاً موسيقياً مثيراً للإعجاب، ولن أنسى أصواته وصوره طيلة حياتي.

هانس ـ أولرش براندت

ترجمة: حسين الموزاني

الحلقة السابعة من سلسلة مقالات تنشرها «السفير» بالتعاون مع صحيفة «weser-kurier» الألمانية، في إطار برنامج «عن قُرب» للتبادل الصحافي، الذي ينظّمه معهد «غوته»، بمشاركة صحافيين من ألمانيا ودول عربية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى