احتفاء نقدي.. بيروت مدينة مثيرة للدهشة

الجسرة الثقافية الالكترونية
شريف مجدلاني
واحد من الأمور العديدة التي لا تزال تصنع من بيروت مدينة مفارقة ومثيرة للدهشة على الدوام، عبر ديناميتها الثقافية، يكمن من دون شك في تنظيم معرضين للكتاب سنويا وخلال فترة زمنية قصيرة نسبيا. أمر، أعتقد، لا يمكن أن نجده في أي مدينة أخرى في العالم. والمعرضان هما (وحتى ثلاثة إذا أضفنا معرض أنطلياس أيضا!) معرض الكتاب الفرنكوفوني ومعرض الكتاب العربي. معرضان مختلفان بطبيعتيهما من حيث الظاهر لكنهما في الواقع متشابهان جدا وحتى أنهما متكاملان في الجوهر. يشكل المعرض الفرانكوفوني، في جزء كبير منه، معرضا للمكتبات. لكنه أصبح أيضا، وباضطراد، معرضا يمكن فيه للناشر اللبناني باللغة الفرنسية أن يظهر في مكان لا يملكه عادة لا في المكتبات ولا في وسائل الإعلام. فبالنسة إلى شخص يهتم حقا بالنتاج المحلي المكتوب بالفرنسية، يشكل المعرض الفرنكوفوني حدثا فريدا ومثيرا للاهتمام. لهذا هو، بهذا المعنى ـ ومع الاحترام الكامل لكلّ اختلاف ـ يشبه معرض الكتاب العربي. إذ إن هذا الأخير هو من حيث المبدأ، معرض ناشرين، ومن هنا هو معرض مثير للشغف.
لست من أولئك الذين يشتكون من الجانب الكبير و»العنيف» لكمية الكتب الضخمة التي نواجهها حين نطأ بأقدامنا أرض معرض الكتاب العربي. بالتأكيد هناك دائما شعور بالفوضى العارمة أمام الاسراف في هذا العرض الذي هو أمامك هنا، الموجود فوق مساحة ضيقة، وهو إسراف يقف على تضاد مع النقص في ما نحتاجه طيلة السنة. بيد أن ذلك يسمح لنا بأن نعيد التفكير بالفكرة الشائعة التي تفيد بأن العالم العربي لا ينشر (الكتب). عالم لا يقرأ، أو ربما يقرأ قليلا، لكنه ينشر كثيرا، والدليل على ذلك، هذا المعرض، إذ نكتشفه ما إن ندخل إلى قلب المعرض وبعيدا عن الكتب الدينية (الحاضرة برأيي بشكل أقلّ مما هي عليه في معارض الكتب بالعالم العربي) وكتب الطبخ والتنجيم والسياسة. بالنسبة لي، يشكل هذا السيل نتاجا لمتعة حقيقية، لأن المعرض يقدم لنا احتمالات لا نهائية من الاكتشافات، من اللقى، لقى أجمل بكثير من الصعوبات التي يمكن لها أن تحدث باقي أيام السنة، بسبب سوء عملية التوزيع، وبعيدا عن اكتشافنا أيضا لنتاجات بعض الناشرين من العالم العربي.
اللقى
لكنه من الضروري أيضا أن نخفف من غلواء هذا الاحتفال. إذ لو اننا شعرنا بالسعادة من جراء هذه اللقى في معرض الكتاب ـ (وهي غير تلك اللقى التي نجدها في سوق البرغوث، لأنها تشكل حاجات حقيقية يمكن لنا أن نردمها هنا) ـ وهذا ما يتأتى في واقع الأمر من أن الكتب التي نجدها هنا، لا تتوفر كثيرا في الحياة اليومية. فمعرض الكتاب، وكما نعرف، هو المكان الذي يصرف فيه الناشرون مخزونهم، ويشكل اللحظة التي يبرمجون فيها نشر إصداراتهم وينظمون حولها سياستهم النشرية. بيد أن ذلك في الواقع لا يفعل شيئا إلا كشف النقاب عن واحدة من مشكلات النشر العربي الكبيرة: توزيع الكتاب ونشره كما غياب سلسلة حقيقية للكتاب تربط الناشر والموزع والمكتبة، من هنا، يلعب الناشر، خلال معرض الكتاب، الأدوار الثلاثة في الوقت عينه.
في أي حال، وخلافا لمعرض الكتاب الفرنكوفوني الذي لم يعطِ لنفسه مهمة أن يكون معرض الفرنكوفونية العالمية، يتيح لنا معرض الكتاب العربي انفتاحا مهما لعملية النشر بالعربية بعامة، حتى وإن كان هذا الأمر يتطلب تحسينا بعد. وبعيدا عن ذلك، أجد أن ما ينقصه باعتقادي ـ ويمكن له أن يأخذ المثال من شبيهه الفرنكوفوني ـ هو غياب سياسة حقيقية لدعوة الكتاب، في إقامة نقاشات مع صنّاع الأدب الحي الآتين من الخارج أو على الأقل من العالم العربي، إذ من المفيد أن تتم دعوتهم بمناسبة صدور أعمالهم. وهذا ما يشكل إحدى خاصيات المعرض الفرنكوفوني. فلو حدث ذلك فسيعطي لهذه التظاهرة العربية سمة حية وستساهم ـ في نظر جمهور اللغة العربية ـ في الخروج من الكليشيه التي تحيله إلى أداة سابقة أو ميتة.
المصدر: السفير