طاهر رياض يقرأ شعراً في فلسطين للمرة الأولى

الجسرة الثقافية الالكترونية-الامارات اليوم-

قرأ الشاعر الفلسطيني طاهر رياض قصائد في أول أمسية له في فلسطين، نظمها متحف محمود درويش، الخميس الماضي. وفي قاعة «الجليل» كان صوت الشاعر يتردد فوق الربوة التي يقع عليها المتحف وحديقة البروة وضريح الشاعر محمود درويش. وعلى مقربة من القاعة كان محمود درويش يصغي لقصائد صديقه طاهر رياض، الذي أهدى قصائد الأمسية إلى درويش.

 

جمهور من عشاق الشعر والشاعر حضروا الأمسية التي افتتحها مدير عام متحف محمود درويش، سامح خضر، بكلمة عبر فيها عن أهمية اللقاء الذي يجمع «الصديقين الشاعرين» في مدينة رام الله. وقال إن «أسرة المتحف وضيوف الأمسية سعداء بهذا الضيف العزيز صديق الشاعر الراحل محمود درويش ورفيق دربه»، مضيفاً «أنها المرة الثانية التي يزور فيها طاهر رياض فلسطين، فالدعوة الاولى كانت من الشاعر الراحل نفسه، والدعوة الثانية من متحفه». وقام بالتقديم للأمسية الدكتور إبراهيم أبوهشهش، الذي تحدث عن علاقته بالشاعر وعن أسلوبه الكتابي وبلاغته الشعرية. واختتمت الأمسية بقراءات للشاعر من مراحل مختلفة من حياته أهداها إلى صديقه درويش.

وكان محمود درويش قال إن «طاهر رياض صديق من غير سوء، معه أستطيع الثرثرة والبوح الشخصي، والصمت دون حرج، فالصديق هو من يصغي إلى صمتك، وتصغي إلى صمته بانتباه المؤتمن على سر»، مضيفاً في تقديم طاهر رياض في إحدى أمسياته «نادراً ما يتم التطابق بين الشاعر وشعره، ونادراً ما يكون الشعر هو الشاعر، لكن طاهر رياض هو شعره: صافٍ، وشفاف، وصادق، وأنيق، لا في التاريخ ولا في السياسة، وإذا احتاجت قصيدته إلى تاريخ فهو تاريخ المعنى، والكلمة، والرؤية، والذهاب في محاكاة التجربة الروحية إلى ما يتاح لها من حد أقصى».

 

ووصف درويش قصائد رياض بقوله «كلماته مصقولة بمهارة صقل الماس، حتى لنكاد نخشى عليها من المحو، فهو يعرف أن الحذف كفاءة الصنعة، لكن يمحو أحيانا أكثر مما يجب، فنستمهله ونسأله أن يترك قليلا من الفحم والغبار، لنرى العلاقة الأولى بين الأشياء والكلمات في تكوينها الأول».

 

ووصف أبوهشهش، في تقديمه الشاعر طاهر رياض، بأنه صديق عمره وتوأم روحه، إذ استمرت علاقتهما من دون انقطاع منذ 33 عاماً، موضحاً أن هذه العلاقة التوأمية أتاحت له التعرف عن قرب إلى طاهر الإنسان والشاعر الذي لا يتوقف عن ابتكار الحياة بكل تفاصيلها. وقال أبوهشهش «يوغل طاهر رياض في الشعر والحياة، مثلما كان أول يوم عرفته فيه في نهايات مارس 1981، في جبل اللويبدة بعمان». وأضاف «في هذه المدة الطويلة لم أزدد إلا قرباً من طاهر الصديق والإنسان، ولم يفعل الزمن شيئاً سوى أن جعل سجاياه الإنسانية النادرة تزداد سطوعا وأصالة، ولم أزدد إلا إيمانا بالشاعر الذي كان شعره منذ ذلك الوقت نسيجه وحده لا يشبه أحداً سواه، وكنت أعجب كيف استطاع طاهر رياض في ذلك الوقت المبكر النجاة من سطوة الصوتين الكبيرين المهمين أدونيس ودرويش، وأن يشتق لنفسه هذا السمت الخاص الذي يدل عليه وحده، حتى لو قرأت له سطورا معدودة».

 

وأكد أن «طاهر يمتلك كل وقته ويضعه في خدمة مشروعه الجمالي الشعري الذي أخلص له إخلاصاً نادراً، فصار له هذا الصوت المتميز، وهذه المكانة التي قد لا يعرف فضلها الكثيرون، لكنها مكانة الجدارة الشعرية والقيمة الفنية الحقيقية التي بدأت تتجاوز بثقة واضحة الإعلام وتجد مريديها ومعجبيها في لبنان والمغرب وليبيا والسودان في وقت كان طاهر الزاهد المترفع عن تسويق نفسه يكاد يكون غير معروف معرفة حقيقية على مرمى صرخة وئيدة من قصيدته». وأوضح أن شعر طاهر رياض دائم التأمل في الأسئلة الكبرى التي شغلت الإنسان منذ القديم، حول الحب والموت، واصفاً رياض بأنه «شاعر كينونة بالمعنى الهايدغري، فشعره يقوده حدس يدرك ذاته داخل لحظة زمنية منفلتة تندفع بلا هوادة نحو مستقبل يأخذ الذات إلى الماضي ويجعلها جزءاً من زمن ليس هو إلا مراكمة لعدم مطبق». وأشار إلى أن أبرز ما يميز شعر طاهر رياض هو إعادة الطزاجة للمفردات، وسعة المعجم الشعري العربي وجزالة السبك، ومتانة التركيب، والاقتصاد الشديد والقدرة على الحذف وإدراك التوازن المرهف بين الصمت والكلام. وقال أبوهشهش إن «البحث الوجودي هو العنصر المهيمن على خطاب طاهر رياض الشعري»، مضيفاً أن «طاهر رياض ليس شاعراً سهلا، بل هو أقرب إلى الغموض، ولكنه غموض ماسيّ مثلما وصف بودلير شعر ملارميه، ومثلما قال أدونيس فإن كل شعر عظيم يجب أن يكون غامضا كالماس، وهو غموض أساسه عند طاهر كثافة ثقافية مذوبة في النص الشعري الذي يعيد إنتاجها بطريقة جديدة نوعيا تترك أثرا يكاد لا يكون ملموساً إلا عند قارئ مثقف متمرس، مثلما أنه غموض نابع من جدة التجربة وقوتها وابتكارها وجزالة اللغة وطزاجة استعمالها والقدرة على التصرف في نحوها وصرفها ومعجمها وأصواتها».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى