«رَ» 20 دقيقة لرؤيا عن الهوية الفلسطينية والعربية

رشا حلوة

بعد أيام قليلة، وتحديدًا في الثّلاثين من حزيران الحالي، يُقفل مهرجان «رَ» باب التقديم لدورته الأولى، المهرجان الذي تأسس هذا العام من قبل مسرحيْن فلسطينيْين؛ «مسرح خشبة» في حيفا و «المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ – الحكواتيّ» في القدس. الأوّل، مسرح مستقلّ جديد، افتتح موسمه الأوّل وعمله مع بداية شهر تشرين الأوّل الماضي، واتخذ له مبنى عثمانيّاً قديماً في حيّ وادي الصّليب المهجّر في حيفا، والثّاني هو المسرح المقدسيّ الفلسطينيّ، صاحب تاريخ فنيّ وسياسيّ كبير في القدس المحتلّة، والملاحق باستمرار من قبل مؤسّسات الاحتلال.
اختار كلا المسرحيْن أن يُطلقا على مهرجان العرض الأدائيّ القصير الأوّل في فلسطين الاسم «رَ»، وهو فعل الأمر من «رأى»، جاء بعد بحث حول كلمة قصيرة في اللغة العربيّة تفي بغرض المهرجان القائم على البعد البصريّ له، لأنه فرجويّ وأدائيّ على خشبة المسرح، فتم اختيار «رَ».
في نصّه التعريفيّ، ذُكر أن مهرجان «رَ» هو مهرجان فنيّ سنويّ، ستُقام دورته الأولى في تشرين الثّاني 2016، يستقبل أعمالًا فنيّة أدائيّة وفرجويّة في المسرح، الرقص، الأعمال الإنشائيّة الحيّة، السيرك والأعمال التي تدمج بين حقول فنيّة مختلفة، على أن لا تتعدّى مدتها عشرين دقيقة. يفتح المهرجان أبواب التسجيل أمام فنانين وفرق فنيّة من مختلف مناطق فلسطين التاريخيّة والشتات. يدعم المهرجان إنتاج المشاريع المختارة ماديًّا وفنيًّا، وتُحفظ الحقوق الكاملة على الأعمال الفنيّة للمجموعات المشاركة بعد انتهاء المهرجان.
يتطرّق الكاتب والمخرج المسرحيّ بشار مرقص، (أحد مؤسّسي «مسرح خشبة»)، في حديثه مع «السفير» إلى الفكرة التي جاء منها مهرجان «رَ»، معتبراً أن الحاجة الأولى التي انطلق منها «مسرح خشبة» (والتي امتدت إلى المهرجان)، تكمن في بناء دوائر مسرحيّة حقيقيّة تخلق حالة مسرحيّة وفنّيّة أوسع من إنتاج فنّيّ فقط. يضيف مرقص: «ما يميّز المهرجان هو كونه مساحة تجريب حقيقيّة، قوته نابعة من ابتعاد المنتج؛ الفنان أو المجموعة الفنّيّة عن التفكير بالسّوق الفنّي والدّعم، ويتطلب منه تركيزًا أكثر على الفكرة الفنّيّة الذي يرغب بالعمل عليها خلال 20 دقيقة كحدٍ أقصى، هذه الفرصة هي مساحة حريّة لصاحب الفكرة أو الفنان بالعمل على فكرته الفنّيّة بلا أي تنازلات. بالإضافة إلى ذلك، الأمر المميز الثّانيّ هو موضوع الحوار وتوسيع الدّوار، يعتمد «مسرح خشبة» بالأساس على البحث في إنتاج عمل فنّيّ مسرحيّ، والمهرجان هو بمثابة آلية سنويّة ترتكز على البحث وتوسيع دوائر البحث حول موضوع ما، وأن لا تقتصر على الفلسطينيّين في مدينة حيفا مثلًا، إنما في القدس والضّفة الغربيّة وغزّة والعالم».
أحد التوجهات الأساسيّة للمهرجان بأن يكون مناسبًا للجميع، فهو مهرجان أدائيّ يشمل أنواع فنون عديدة، ولا يقتصر على «جانب» فنّيّ واحد، سيجد المشاهد عروضًا كوميديّة إلى جانب عروض رقصٍ وعروض مسرحيّة دراميّة، وهذا يعرف الجمهور إلى أنواع فنون عديدة. كونه مناسبًا للجميع، من حيث أنواع الفنون، فهو أيضًا مناسب لكل الفنانين، سواء التي أنهت دراسة المسرح مؤخرًا أو ممثلة تقدّم أعمالًا مسرحيّة منذ ثلاثين عامًا، سيخلق هذا الإطار تحديًا لتقديم عملٍ أدائيّ على مدار 20 دقيقة كحد أقصى. عن العرض القصير، يقول مرقص: «العرض الأدائيّ القصير ليس أسهل من الطويل، بالنتيجة، وغالبًا، ربما هو أقل تكاليف من العرض الطّويل، وفي الوقت عينه من الممكن أن يكون بنفس تكاليف عرض أدائيّ مدته ساعة ونصف. العرض القصير هو بالفعل أصعب من الطويل، ويتطلّب من الفنان أو المجموعة الفنّيّة أن تجرب وتبدع بالطريقة التي ستقدّم للجمهور ما ترغب بقوله خلال فترة قصيرة».
اختار طاقم المهرجان أن يكون موضوعه «الهُويّة»، امتدادًا للثيمة التي يعمل عليها مسرح خشبة لهذا العام، إلا وهي الهُويّة أيضًا. هذا الموضوع، جعل المهرجان فلسطينيًا شاملًا، حسب بشار مرقص، الذي أضاف: «لا يمكن أن نعالج موضوع الهُويّة فقط مع الدّوائر التي تحيط بها، يجب أن يكون أوسع وأن يحكي لكل فلسطيني في فلسطين والشّتات». سيحاور المهرجان موضوع «الهُويّة» من عوالمها كافة؛ السّياسيّة، الاجتماعيّة، الجنسيّة. عن هذا يضيف مرقص: «هدف المهرجان أن يجمع وجهات نظر ويخلق أسئلة ونقاشات بلا قيود حول موضوع الهُويّة».
على الراغبين والراغبات بالتسجيل إلى المهرجان، أن يرسلوا نصًّا يحتوي على فكرة العمل الأدائيّ، توجهه الفنّيّ والسّبب من وراء الرّغبة للعمل على هذا المشروع بالإضافة إلى الأسئلة الذي يرغب بطرحها من خلاله، كلّ هذا يقدّم من خلال استمارة التسجيل عبر الموقع الإلكترونيّ للمهرجان. عن هذا يقول مرقص: «أخذت الاستمارة الكثير من وقتنا للعمل عليها، ولم يكن الأمر سهلًا، لأننا أردناها أن تكون مناسبة للفنان والتفكير بعمله ومضمونه وليست فقط موجهة لطلب دعم من جهة تمويل ما». بعد تقديم الأفكار الأوّلى من المسجلين للمهرجان، سوف تختار اللجنة الفنّيّة للمهرجان مجموعة الأفكار/ العروض المشاركة، وستعمل مع المتقدّمين على تطويرها والوصول إلى الشّكل النّهائيّ للإنتاج. وهذه اللجنة سوف توكّل لجنة معالجة دراميّة مكوّنة من مختصين في المجال، والتي سترافق الفنانين والفرق وطواقم العمل وتعطي الدّعم الأساسيّ على صعيد الدّراما.
يفتح مهرجان «رَ» باب المشاركات الفلسطينيّة من كلّ مكان، وسيقدّم عروضه في تشرين الثّاني 2016 في كلّ من حيفا والقدس ورام الله. ومن المتوقع أن تصله أفكار لعروض أدائيّة من الشّتات، فهو يضع احتمالات لأشكال عرض متنوعة وإبداعيّة واردة في شكل تقديم العروض التي ستشارك فيه.
عن هذا يقول مرقص: «لم يأتِ المهرجان ليرفع شعارًا رومانسيًا بأن الجميع قابل لأن يعرض عمله الأدائيّ في حيفا، ذلك غير ممكن في ظلّ الواقع الذي نعيشه، ولكن هذا جزء من أهميته. في عصرنا اليوم، هنالك احتمالات بصريّة حديثة عديدة، لها علاقة بالفيديو والإنترنت أو حتى تقديم العرض في مدينة إضافية خارج فلسطين. الفكرة هي أن نرى كيف يمكن أن يخلق المهرجان آليات وطرق عرض جديدة وإبداعيّة، وهذا تحدٍّ بحد ذاته، سوف يعطي تميزًا للعروض المشاركة من خارج فلسطين». ويتابع: «صحيح أن التواصل صعب والتشبيك الفنّيّ صعب أيضًا، لكن لن نسمح لذلك أن يؤثر على المهرجان، هذه الطرق الإبداعيّة التي سنفكر بها لتقديم الأعمال المشاركة من خارج فلسطين هي مميزة للمهرجان، بالرغم من الواقع السّياسيّ».
إنّ دورة مهرجان «رَ» الأولى ترتكز على المشاركات الأدائيّة الفلسطينيّة فيها، إلا أن هذا لا يعني أن الدّورات المقبلة ستكون فيها فقط مشاركات فلسطينيّة. «هنالك رغبة لأن يكون المهرجان عالميًا وليس عربيًا فقط»، يقول مرقص، ويضيف: «هذا المهرجان حاضر بأشكال عديدة في العالم، لكنه غير موجود هنا، لأن الجمهور غير مهيأ حتى الآن لأن يشاهد أعمالًا قصيرة. ولكن بعيدًا عن الجانب التقنيّ للمهرجان، من الناحية الفنّيّة، هو بمثابة مختبر حقيقيّ، نرغب بأن يضم دوائر أوسع من فنانين وفرق من العالم العربيّ والعالم في المستقبل».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى