خمس ومضات في جبين الشعر السكندري

عاطف عبد العزيز الحناوي
حينما كُلّفت بالكتابة – وهذا تشريف كبير – عن بعض من شعراء الفصحى السكندريين الشباب للمشاركة بها في أعمال مؤتمرنا الموقر، آثرت أن يأتي حديثي عن شعراء هم بمثابة الومضة في جبين الشعر، وبناء عليه في هذه الإطلالة أربع شواعر (شيماء حسن – رشا زقيزق – جيهان بركات – أميرة عبدالشافي) وأما الشاعر فهو محمد مخيمر.
والميزة الأكبر في الإبداع الأدبي – والفن عموما – هي تعدد الرؤى، فلكل فنان أصيل بصمته الخاصة، التي يكاد لا يشاركه فيها أحد، وهذا سرّ جمال الفن وخلوده – وأعني بالأصالة: الإتيان بفكرة مبتكرة، والبناء على أصل ثابت وجذور عميقة.
والشاعرة رشا زقيزق حاصلة على ليسانس لغة عربية من جامعة الإسكندرية، وانضمت لورشة الشعر بقصر ثقافة التذوق (برئاسة الشاعر عبدالمنعم سالم) واشتركت في عدد من المسابقات الشعرية في مصر وخارجها، منها مشاركتها في مسابقة أمير الشعراء في أبوظبي، ولها العديد من الإبداعات التي تناولها النقاد على اتساع الوطن العربي.
تقول رشازقيزق في قصيدة “سكرة السحر”:
من شتات اللامساس
مسست قافية له
دمدمت فيها .. رجعي
لهواه لحن هز سكرة السحر
ما بي سواه
قصيدة فركت جناح القلب
فانكشف الحجاب
وارتد طرف الروح يحتضن السحاب …
هنا تعانق الشاعرة تجربة صوفية – وهذا دأبها – ولكأني بها “راهبة ليلٍ” فانظر إلى قولها: سكرة السحر – انكشف الحجاب – اللامساس- طرف الروح.
وانظر إلى روعة التصوير الشعري حينما تتعانق عدة استعارات، في صور جزئية سريعة متجاورة – متعانقة على وجه الدقة – لتصنع صورة كلية سيريالية بديعة، وهي ليست صورة ثابتة، بل هي تحفل بالحركة والدراما، ويؤكد ذلك استخدام الأفعال (فركت – انكشف – ارتد – يحتضن) وتستمر الشاعرة في دفقها الصوفي العلوي (والتصوّف: طريقة سلوكية قوامها التقشف، والتحلي بالفضائل لتزكو النفس، وتسمو الروح) تقول شاعرتنا:
وكأنه وجه تغنيه حكايات الحسان
ليل تهجد بالدموع فأرق الصبح الندي
مسسته بعفاف جرح صابر
أطعمته الوطن الرضي
عق الحنين غيابه
فأوى لسدرة ناظري.
وتقول في قصيدة “كرمة” في لغة تذوب عشقا أنثويا حالما وعفيفا في الوقت نفسه:
ويح العيون بصرت عن وله بها
ودعوت ربي أن أضم شذاه
وتر تصوف بالحنين
فذوبت أشواقه ليلا تكلم
فانتشت شفتاه
ويح الفؤاد قد استنام بكرمه
وتنفست عيناه مسك بهاه
أنا لا شريك لزهرتي في صبحه
لا بحر ينفد والدنا عيناه
من أهم روافد شعر رشا زقيزق – وتكوينها النفسي فيما أظن – كما اتضح من النماذج التي تناولناها ثقافتها الدينية واللغوية العميقة، وقراءتها في أدب المتصوفة الكبار، أضف إلى ذلك حسها الفطري بالحب والجمال.
* من أبحاث مؤتمر “إبداعات الشباب السكندري” دورة الأديب الراحل خالد السروجي، مؤتمر اليوم الواحد لفرع ثقافة الإسكندرية 2016.
(ميدل ايست اونلاين)