«دونكيشوت الإنترنت» يعود بموسمِ ثانِ

( الجسرة )

*بلال شحادات

بعدما أثار الموسم الأول من المسلسل الأميركي «مستر روبوت» جدلاً بالغاً وحقّق جماهيرية واسعة، جاء الموسم الثاني بالجودة الدرامية نفسها، خصوصًا مع البطل الشاب «إيليوت» (رامي مالك). يدعو «إيليوت» لإنقاذ العالم عبر التحرّر من سيطرة الشركات الرأسمالية على حياة البشر، والقضاء على العالم الافتراضي الذي ألغى وجودهم الحقيقي. وهذا ما رفع قيمة المسلسل كظاهرة اجتماعية وثقافية، حيث تزامن فعلياً مع حالات اختراق لشركات أو حكومات تحدث أسبوعياً في العالم.
تمتلك شخصيّة البطل أبعاداً أعمق مما كانت عليه في الموسم الأول. فالدراما توغّلت في تلافيف دماغه وتفكيره وسلوكه، وفضحت كل مواضع خلله النفسي والروحي. يعيش «إيليوت» أزمة تواصل مع أفراد المجتمع، والطريقة الوحيدة المتاحة أمامه هي اختراقهم عبر هواتفهم الجوالة أو بريدهم الإلكتروني. يضع كل مهاراته التقنية للاهتمام بمن يحب أو فضح مَن يكره. ويصل به الحال إلى اختلاق شخصيات وتجنيدها لخدمة هدفه السامي في إسقاط شركة ضخمة تتحكم بالاقتصاد العالمي.
أسس «إيليوت» في الموسم الأول مجموعة سمّت نفسها «تباً للمجتمع» استطاعت من خلال اختراق شركة ضخمة أن تحرك أزمة عالمية، بعد أن دمّرت البيانات المالية لها وأطلقت سراح الديون المترتبة على الكثير من المواطنين العالقين تحت سيطرتها. جاء الموسم الثاني ليتابع تطورات فعلتهم هذه على صعيد المجموعة وقائدها، وعلى صعيد الشركة نفسها وارتباطاتها بالسياسات الدولية والمحلية وتدخلات الدول الأخرى صاحبة المصلحة في إنقاذها.
شخصية «إيليوت» معقدة ومركبة ومليئة بالتناقضات، فهو يتبنى فكرة نبيلة ويسعى إلى تنفيذها. يهتمّ بالناس ويحميهم ويعاني من مشاكل الهجران. يبكي وحيداً في غرفته لأنه لا يعرف كيف يتواصل مَن يُحب ويتعاطى المورفين لتهدئة أفكاره. دائمًا ما يشعر أنه يكرّر نفسه ويتصارع مع طيف والده الميت، ويفقد الإحساس بالوقت.
يشعر البطل بفجوات في حياته ولا يتذكّر ما جرى فيها من أحداث. يفقد عقله، ولا يستطيع التحكم بنفسه. ومع بداية الموسم الثاني يُجبر نفسه على طرد الأطياف من رأسه ويغرق في روتين مملّ. يكرّر الأعمال نفسها كلّ يوم للخروج من الأوهام التي كان يعيشها. بعد أشهر عدة، يفشل «إيليوت» ويعود إليه الطيف ليستفزه مجدداً فيضطرّ إلى قبول التحدي معه في لعبة الشطرنج. يختصر المسلسل صراعات الذات وتناقضاتها. لا تنتهي اللعبة بنتيجة واضحة وحاسمة كحال كل الصراعات التي نعيشها. إنه الصراع بين الخير والشر.
يشبه «إيليوت» شخصية «دونكيشوت». فارس نبيل يحمل رمحه ويمتطي جواده معتقدًا أنه مخلّص العالم من أعداء الإنسانية. فارس فقد عقله من كثرة قراءة كتب الفروسية. فارس بـ «لوك» القرن الحادي والعشرين، سلاحه الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، ويعتقد أنه قادر على اجتراح المعجزات.
منذ مطلع القرن العشرين، بتنا نعيش في عالمين: واقعنا الهشّ والواقع الافتراضي المحيط بنا في كل مكان. باتت حياتنا، رغمًا منّا، ديجيتالية وأضحت ثقافتنا تتغذّى على ما تنشره المواقع والبرامج الإلكترونية وما تروّج له على الشبكة العنكبوتية. يشكّل مسلسل «مستر روبوت» مجرد تنبيه لنا جميعنا كي نوازن على الأقل بين بشريتنا الحقيقية وعالمنا الافتراضي الوهمي. إنه رسالة للجيل الحالي كي لا يثق بالمؤسسات والجهات التي ترعاه.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى