خالد بن صالح يختبر الألم في ‘الرقص بأطراف مستعارة’

تجمع المجموعة الشعرية الجديدة للكاتب والتشكيلي الجزائري خالد بن صالح “الرقص بأطراف مستعارة” بين السرد والشعر بلغة مرهفة ودقة في توصيف الموجودات الملموسة والمشاعر المختلفة.

ويقع الكتاب في 56 صفحة من القطع الوسط تحاول تأويل الألم، وتحويله إلى مادة يمكن معها احتمال عبثية الأذى التي يعيشها البشر في هذا العالم.

ويأتي الكتاب الصادر حديثا عن منشورات المتوسط في إيطاليا ضمن مجموعة المتوسط المسماة “براءات” وهي مجموعة إصدارات خاصة فقط بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية.

يبدأ الشاعر الجزائري بـ”تسألك التي تجلس بجانبك في الحافلة، وأنت تقرأ ‘قطار باتاغونيا السريع’ لسبولفيدا، حيث المقاعد تهدهد الركاب: لماذا تكتب؟

تفكر في وليمة كاملة من المآسي، في مدينتك المحترقة، كما لو أن أحدهم أشعلها منذ مئة عام. تفكر في العالم كخطأ شائع، في القدرة على الاختفاء فجأة بين كل هذه التوابيت، وفي جملتك التي تخرج كفراشة ثملة: أكتب بدافع الضجر.. وطبعا، أنتصر بلا تردد للعادي، للأشياء التي تتأخر في أن تصير عادية، لأسباب واهية”.

بهذا المقطع يستهل خالد بن صالح مجموعته، فيما يشي بأنهُ أراد البداية بتخفيف سؤال الكتابة الوجودي: “لماذا تكتب”، حيث يكتفي بالإجابة التي تنقذه من النمطية، والقوالب المتعارف عليها، الإجابة البسيطة، الكافية تمامًا لتحويل الكتابة إلى نوعٍ من أنواعِ التجريب: “أكتب بدافع الضجر”.

وبحسب الناشر، ثمة تقشف لغوي مقصود، للتعبير عن أفكار عميقة، تقشف يدركه المتلقي حين يقرأ قصائد “الرقص بأطراف مستعارة”، وهو الأمر الذي تؤكده إجابة الشاعر لدى سؤاله عن سبب الكتابة في المقطع السابق، حيث الانحياز للعادي ليس عنوانا بسيطا، وليس ادعاء إنما هو أصيل لدى الشاعر، الذي تعتبر مجموعته هذه هي الثالثة في حياته.

يقول بن صالح:

“هناك أمر أريد أن أختبر فداحته، إن كان خشب السقف سيتألّم لشد الحبل المعقود برقبتي. هل سيظهر ذلك كندبة أو شرخ صارخ أم سيكون مجرد خط خفيف بالكاد يرى”.

يتعدى التجريب في المقطع السابق، اللغة، ويذهب إلى أن يكون تجريبا حياتيا، يعيشه الشاعر مع أفكاره اليومية. حيث يمكن أن يخطر له التفكير في آلام خشب السقف، الذي يثبت حبل المشنقة الملتف حول عنقه!

تتنوع نصوص الكتاب، حيث للسرد مكانه الرحب، تجمعه ببقية قصائد المجموعة لغة شعرية مرهفة، ودقة في توصيف اليوم بكل موجوداته، ابتداء من الأشياء الملموسة المعاشة، وانتهاء بالمشاعر التي يخلفها التمعن في هذه الموجودات على الشاعر.

ولا تنفصم نصوص الكتاب وقصائده عن المشكلات العامة لدى الناس والبلاد، لكن العمومي هنا، مأخوذ من زوايا خاصة، بعيدة عن الشعاراتية، هنا يلمس الأذى العام الشاعر بوصفه واحدا من المتأذين.

ويقول بن صالح في قصيدة “كولاج” التي يقدمها بعبارة “إلى العزل الذين لم تحظ أجسادهم بقبور”:

بدل الجثّة المتفحمة المعلّقة بمدخل العمارة

تضعُ ثلاث برتقالاتٍ في كيسٍ أسود

مليءٍ بالرّيش،

ثمّ ترسمُ بقلم رصاصٍ أجنحةً

لملائكةٍ

لم يُتعبهم التحليق لساعاتٍ حول الحيّ.

(ميدل ايست أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى