ابتسامات لوجه الجاحظ.. نظّارتان لغمزة دالي

إلياس لحود

الصحارى
قالَ في صمتِهِ الرمْلُ:
ظَلّلَنا الغيمُ بالعصافيرِ
يا ليتنا نستريحُ/ اغْتُصِبْنا
تَعِبْنا.. تعبنا.. تعبنا
نُخبِّئ في نَبْضِنا ألفَ جُرحٍ
على ألف جوعٍ.. ونمشي
وحدنا الأوْجُهُ الحافية
] مقتل سَيْف/2
قتيلٌ جميل
على كفِّ صحراءَ
ممدودةٍ مثل سيفٍ صقيل.
ـ هل ترى وجهَكَ الجاحظَ الآن؟

أموتْ
يُكرّمُني برقُ تشرينَ
يدفنُني في دموع النخيلِ
ويُغلقُها بانتظاري…
(من قصيدة سيف بن ذي يزن)
مشهد
تذرفُ عَيْطرونُ أو غزالةُ الْجِهاتِ
دمعَنا نراجساً وموتَنا حياة…
هذيان ومرثية في جعبة أراغون
عينانِ في «جعبةِ أراغونَ»
يفتحُها:
تطيرُ ريشتانِ نحو دالي؛
يُغلقُـها [ يُغلق دالي حِبْرَهُ الجريحَ [
يُغلقُ عينيْه بها ويكتبُ:
ألْزا عُيونُ بلْدتي [ مرج العيونِ دمْعةٌ [
عيونُها صدى الصدى
مُكبّلٌ.. مُعذّبُ…

شتاء ـ خريفِ
بحْرُ العيونِ شاعرٌ؛
بحرُ العيونِ طائرٌ
يقنصُه الشتاءُ كلَّ يَوْمْ
تَرى؟
ألا ترى أفْقاً من الأمواجِ
بل سنام جمَلِ الصباحِ
بل قوْساً من العُيونِ منصوباً،
مِنَ الدنيا لكتْفِ البحر،
من روما إلى السماءِ سَهْمُ غَفْوةِ المهاجرينَ
«أيُّ خِشيةٍ» في إصبعَيْ دالي
تقودُ هكذا لكارثه:
«يقظةُ أوزيريس
والسريرُ فارغٌ وساكتٌ كأنَّهُ إيزيس»!

زهيان طفل الحدود
«عَمَّروا في الممرَّاتِ بين الصخورِ بوابةً من وُجُوهٍ
على رُسْلهم حلّقوا خلف طائرةٍ من جروح الورقْ
كان يُمكِنُ أن يسقطوا في الأساطير
كان يمكنُ أن يَسْقفوا العرباتِ المُسنَّاتِ بالْحَوْرِ
كان يمكن أن يحبِسُوا النهر بالنَفَلِ الليْلكيِّ حتى العشيّه؛
غير أن الذي في هَواهم جرى
قصةٌ غابرة
صورةٌ وَعْرَةٌ من خيالٍ قديم
صورة فذّةٌ للعناق:
بين «زَهيانَ» طفلِ الحدود
و»عاشقةِ الصخرةِ البُندقية»
الجهات الأربع [ من أغنية جدّتي الأرض [
جمْرةٌ من عَنِينِ القصب
رقصُ مُنجيرةٍ في الهُبوب
مهجةٌ للكؤوسِ/ طيّارةٌ للحواكير
مثلما ودَّعَتْها القصائدُ بوّابةً للجهات..
أدِرْ دُفّةَ الزيزفونِ استعِدْ نهْرَك الفذَّ هذا الصباح
انْدلِعْ زهْرَ لوزٍ بفستانها:
ما لونُ عينيْكِ؟ قولي..
على شفتيكِ اخْتراعانِ: لونٌ يُغنِّي
ولَوْنٌ يُنادي أُحبّك…

رسالة غفران إلى بيروت
كانت لنا على الفراتِ عند سَفْحِ مرتضى
إمارةٌ نحْرثُها جمراً وهِنْدباء،
سجّلها على الحِساب راهبٌ سِيمَ من الغمامِ
زوجُهُ «نوريّتانِ خُبْزَتانِ»
واسْمُهُ أبو العلاءْ…
كانت لنا إمارةٌ عجفاءُ في دوَّامةٍ
نزرعُها «مَضيرةً» فتُنبِتُ الأشعارُ
أشجاراً إلى السَّما…. وكَستناء
وكانت الأعمارُ في حديقةٍ
وقففُ الأشعار في حديقةٍ
بينهما مدينةٌ ضريرةٌ (شِيدت من النعيمِ للجحيمِ)
واسْمُها رسالةُ الغفران
نِصفُها مطرَّزٌ بأنجمٍ وأعْيُنٍ
ونِصُفها مسارحُ المخطوطِ بالخفاءْ
… يسكنُها يقطنها من فُقراء القومِ
بعضُ مَن جاؤوا مِنَ الأرضِ.. مِنَ السماء!

كاميرا خفية
جلَّسْتُ مرآتي على دولابِها/ ووقفتُ وُسْعَ
الناسِ أسمح بالمرورِ لمن أتَوْا متأخّرينَ/ ركضتُ
في المتقدّمينَ صرختُ بالعينيْنِ صوِّرْ يا زمانُ..
فتحتُ شبَّاكاً لهم فيهم
خطوْتُ، وَقَفتُ في الشبّاكِ مذعوراً أُصَوِّرهم
وحين مضيْتُ وجَّهتُ ابتساماتي إلى وَجهٍ رماهُ
الجاحظُ المذهولُ مكبوباً على رأس السنه
لا.. لا تخافي! لا تخفْ
يا صاحبَ الوجهِ الذي الْـ «كاميرا هناكَ!»
أنا هنا!
وأنا هناكَ أنا هنا
وطني هناكَ ومن هناك إلى هنا
«سيّارتي مُسترهَنة/ ووسامتي مسترهنة»
وهنا أنا مسترهَنٌ حتى النهايةِ يوم قدّستُ التراب..

أبو العلاء يرى
«حوّاءٌ حبّة أنسولين» (نيتشه ملِكاً)

بيدِي أنا أمشي..
بيدَيَّ أرى والأرضُ سريرٌ
أعني الأرضُ ترابٌ حائم…
أمشي وينظرني السريرُ/ (تسيرُ مغْسلِتي إليّ/ تركتُها ولَحِقْتُني/ ولحقتُني وَتركتُها خَبَباً، رُويداً)
«سِرْ.. في الهواءِ» أنا السريرُ أنا الهواءُ.
ولبستُ قبّعتي السماءَ قُلبْتُها ولبستُها/
«أمَمِي المحبَّةُ والسلامُ»
هنا «الرسالةُ» والبلادُ هنا السماءُ…
حوّاءُ عذرائي إذن
قد صِرتُها [أو سِرتُها] واسْطَعتُها
حوّاءُ عذرائي وتعبدُني وأعبدُها ويعبدُني الهواءُ!
أنا الهواءُ أنا الفضاءُ
بيدِي أنا تُفّاحتي
بيدِي أنا
(وبقَبْضَتي أُممٌ)
فتحتُ يدِي نِساءً هكذا انْتَشتِ النساءُ
حوّاءُ أفْقُ يدِي وملءُ أنايََ
أفعالي البريئةُ
علَّ هذا «المُرْتأى» في المنحنى الْجاري [ مفاجأتي [
يُعلّمني الوفاءَ ولا وفاءَ.. ولا وفاءُ!

المسرحية – هامش لـ«دوشكا دالي»
تشرينُ يُقاصصُ أولادَ الزُّعْرانِ
يُوقِّفهم في شاحنةٍ.
يأخذُهم ويُشغِّلُهم في فَرْطِ الزَّيتونِ:
عِصيّاً تلهثُ ألسِنةً
أو هِمماً تفترشُ الأرضَ أبالسةً وعُيونْ..
وحين الشمس تُعربشُ بعد الظَهرِ
على الزيتونِةِ (دوشكا دالي)
يقتعِدونَ إليها يَلتفِتونَ جهابذةً برؤوسِهمِ الثرثارةِ:
يخترعونَ عدوًّا يبتدِعون بقايا دبّاباتٍ تركَعُ.. ومدافعَ لا تصدأ!!
يخترعونَ أموراً أخرى
فيزيحونَ السُّلَّمَ حين الريحُ تحطّ الرِّجْلَ عليه ويَغْتبطونْ.
لكن الريحَ تهبُّ.. تهزّ المشهدَ بالزندَيْنِ المفتولينِ
لتمطرَهم إعصاراً فذّاً من حَبّ الزيتون…

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى