‘الفجر الأشد ظلاما’ رؤية سينمائية مبسطة للخراب الأرضي

طاهر علوان
ما بعد الفناء محور أو ثيمة شغلت مساحة كبيرة في فيلم “الفجر الأشد ظلاما” للمخرج درو كاسون (إنتاج 2016)، حيث أن من ألمع ما جاء فيه هو أنه أمتعنا ببرهة ما قبل وما بعد الانهيار الكوني، الحياة وهي تسير إلى نهاياتها وامتداداتها ورتابتها ثم وهي تفقد مكونات بقائها واستمرارها.
الإشكالية هنا تتعلق “بالتوثيق” وتتبّع ما سيقع من أحداث، وذلك ما ينشغل به كاتب السيناريو والمخرج درو كاسون، وهو يقدم على هذه التجربة من خلال فيلم قليل التكلفة تم تصويره في بريطانيا وأصبح متاحا لجمهور الأونلاين أولا من خلال شيفرة خاصة ومحددة تمكّن من الدخول إلى الشاشة.
يقدم المخرج أسرة تحتفل بعيد ميلاد ابنتها السادس عشر، كلوي (الممثلة بيثان ليدلي) فتاة ذكيّة ولمّاحة منذ لحظة الحفل تقوم بتوثيق كل ما حولها، والديها وأخوتها ثم العالم المحيط بها، لكنّها فجأة تجد نفسها وهي توثق الانهيار والحطام.
هجوم من قبل جهة ما وكائنات مجهولة يحيل الأرض إلى خراب وكلّ يحاول أن ينجو بنفسه، بينما المباني تنهار والطائرات تحوم والمسلّحون يحضّون الناس على الإخلاء والنجاة بأنفسهم، أم كلوي تخرج إلى العمل ولن تعود، بينما والدها يموت مقتولا وسط الفوضى، وستبقى هي وأختها سام (الممثلة تشيري واليس) تبحثان عن ملاذ حتى تقعان أسيرتين في قبضة ميليشيا مجهولة، لكي تكتشف عالما سريا مغلقا تماما في تلك الأقبية وقد صار السلاح والقتل مباحين.
على وقع هذه الأحداث وهذه الدراما الفيلمية تتحرك الشخصيات لبلوغ أهدافها، السرد الفيلمي من الداخل واستخدام صيغة الشخص الثالث كانا هما الحلان الإخراجيان اللذان اهتدى إليهما المخرج، إذ يجعل الكاميرا التي تحملها كلوي هي الشاهد على ما يجري، كلوي في أحلك الأوقات وأشدّها صعوبة تعلّق على ما يجري من حولها وترسل التحيات إلى والديها.
يبنى السرد الفيلمي علي تلك الأركان الثلاثة، وجهة نظر كلوي وأختها، والدها قبل رحيله والشخصيات التي صادفتها لاحقا وهي تبحث عن مخابئ للنجاة، لكن خطوط السرد هذه سرعان ما تتكاثف عند هذا الذي ترصده الكاميرا والتي تختصر السرد وتواكب الحقيقة، فليس أبلغ من مصداقية العدسة.
ينتمي الفيلم إنتاجيا إلى نوع الأفلام قليلة التكلفة، والأماكن التي جرى التصوير فيها ما بين منزل عائلة كلوي وبين المخابئ والأقبية التي يختفي فيها الناجون وهم يتجاذبون أطراف الحديث عن شؤون حياتهم، وما جرى للناس الآخرين وللمدن الأخرى، وما عدا ذلك تم استخدام المؤثرات البصرية لتجسيد عمليات تحطم الطائرات والانفجارات المتلاحقة التي تنتمي إلى المجهول الذي بدأ يفتك بالمدن تباعا.
في السياق الفيلمي هنالك تنويع في استخدام المونتاج لغرض مواكبة تلك الانتقالات الحادة والتوتر الذي يعصف بالشخصيات، لكن مونتاجيا أيضا سنجد أنفسنا في حالة من التشويش في بعض المشاهد، ومثال ذلك خروج الزوجة إلى العمل ثم الانتقال بعد فاصلة لا تكاد تذكر ولا مبرر دراميا مقنعا لها، إبان اتصال الزوج بالشرطة معلنا عن عدم عودة الزوجة وربما اختفائها ومحاولته إخفاء ذلك عن عائلته، بنفس المستوى نجد تلك الانتقالات المرتبكة بين الأماكن الفيلمية التي لا ينطوي بعضها على أهمية أو قيمة درامية تذكر، إذ يمكن نقل الحوارات في أي مكان فيلمي عدا هذا المكان الذي هو مجرد قبو أو مخبأ.
أسلوب التعليق على الأحداث الذي لجأ إليه المخرج وكاتب السيناريو من وجهة نظر كلوي أضعف إلى حد ما الأدوار المصاحبة والموازية للشخصيات الأخرى، عدا شقيقة كلوي بالطبع، وإلاّ فما حاجتنا إلى الكثير من التعليقات في مقابل إضعاف التطور الدرامي والصراع بين القوى الأكثر فاعلية، هو نوع من التبسيط لواقع معقد يقع في الخارج ونجهل الكثير عنه، واقعيا كنا نتوقع مثلا أن يكون أولئك المسلحون الملتحون وسمر الوجوه أدوات للتصعيد وإيجاد خط درامي وسردي يسهم في تصعيد الأحداث وإمتاعنا بنوع من المغامرة، ولكن ذلك لم يحصل، وبدا هذا المقطع الفيلمي امتدادا للإيقاع الرتيب.
وفي المحصلة، نجح الفيلم في كل الأحوال في رسم صورة فيلمية وبناء سردي متوازن لتلك البرهة الفاصلة ما بين الزمنين، أي زمن ما قبل الانهيار وما بعده وتتبع بشكل مميز ما كان يجري من أحداث وتداعيات، مع أنه لم يتعمّق كثيرا في حيثيات ما جرى من كوارث وجعل التركيز ينصبّ على شخصية كلوي ووجهة نظرها، على الرغم من أنه فيلم لا يبتعد كثيرا عن أفلام اهتمت بثيمة الكوارث وظلت مواكبة للخراب الأرضي وللزمن الديستوبي الذي يؤذن بفجر أشد ظلاما.
(العرب)