“مجد مستورة” .. مفاجأة تونس

محمد علال

لم يكن الممثل التونسي الشاب مجد مستورة”26 سنة”،يتوقع كل هذا النجاح،فقد صعد في عام واحد، إلى منصة أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم ليتسلّم جائزة أحسن ممثل عن دوره فيلم “نحبك هادي” للمخرج محمد بن عطية، جائزة الدب الفضي في الدورة 66 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، في مسابقة ترأست لجنة تحكيمها النجمة العالمية ميريل ستريب، ثم عاد إلى منصة مهرجان “أيام قرطاج” ليتسلم جائزة أحسن ممثل، في حفل ختام خمسينية أيام قرطاج بحضور الزعيم عادل إمام، ودائما عن دوره في فيلم “نحبك هادي”.

هكذا، جاء فيلم “نحبك هادي” ليقدم معه مخرج تونسي تميز منذ أول تجربة إخراجية روائية طويلة، وممثل واعد، من واقع تونسي، و يختار نموذجا لأكثر القصص تشابها مع الواقع المعاش لدى الشباب العربي، ويحاور مسائل هامة، “الزواج والعمل والهجرة”، تلك الثلاثية التي تسير بالتوازي مع يوميات وأحلامنا العربية، قرأت أحداث تونس قبل و ما بعد الثورة، وقدمت فلسفة جديدة للسينما العربية، عن الصدفة والاختيارات و التحدي، وعن المواضيع التي تبحث عنها السينما اليوم و تقنيات التصوير، في مقابل ذلك ترفع القبعة لـ”الكاستنج”، الذي راهن على مجد مستور، هذا الشاب النحيف صاحب الملامح العربية، لم يكن نجما هوليووديا لامع، بل جاء من قائمة المواهب المدفونة.

تلك “الصدفة” التي قادت مجد ليدخل عالم التمثيل بـ”خجل” كبير و عدم قناعة بموهبته، قطعت الشك باليقين لذلك السؤال الداخلي الذي ظلّ يطارد مجد مستورة، قبل نحو عشرة سنوات “هل أنا حقا ممثل حقيقي ؟” منذ أن دخل عالم التمثيل لأول مرة عبر الفيلم الروائي الطويل “بيدوس2″ للمخرج التونسي الجيلاني السعدي عام 2014.
التقينا الممثل التونسي مجد مستورة، على هامش فعاليات أيام قرطاج السينمائية وكان لنا معه هذا الحوار..
تجربتك مع فيلم نحبك هادي، غيرت حياتك الفنية، كيف تعاملت مع شخصية هادي لتحقق كل هذا التوافق والنجاح؟

أنا شاب تونسي، لم أمثل شخصية بعيدة عني كثيرا، كأي مواطن ولد في هذا الوطن، تونس قبل الثورة، ثم التقى بأحداث جاءت مع موجة ربيعية عربية قوية، أرادت أن تعيد للزهور عبقها، وللأشجار أوراقها التي عصف بها خريف الأنظمة الديكتاتورية، كأي شاب تونسي كنت أحلم دائما بوطن أبهى وأحلى، لهذا فـ”نحبك هادي” هو جزء مني، هادي كان يحلم وأنا أيضا، بالجنة والورود، مرّ بنا الحلم إلى أبعد الحدود، إلى أن التقينا في محطة خيبة الأمل، الأحلام لا تتحقق ببساطة.

كان جدار خيبة الأمل عالي جدا و صعب تسلقه، و رغم التشابه في الأحلام إلا أنني أختلف كثيرا عن هادي، في روحه و شخصيته، التقينا في الأحلام صحيح، ولكننا نختلف في ملامح الحياة، فمجد مستورة عنيد بطبيعته أكثر ويدافع عن مواقفه وتصرفاته، ليس هادئ ولا خجول بطريقة هادي، وما أثرّ في نهاية الأمر كل هذه التناقضات و المحطات التي التقيتها مع شاب تونسي اسمه هادي، يشبهني و لا يشبهني في النهاية، أنا و هو واحد ولكننا مختلفان، لدينا نفس العمر ومررنا بنفس التجارب التي مرّ بها المجتمع التونسي، وهذا المثير للاهتمام حيث دخلت في عباءة شخص وتعرفت عليه أكثر لأكتشف نقاط التشابه والاختلاف بيني وبينه في الحقيقة.

إلى أي مدى أنت مقتنع بالنهاية التي اختارها الفيلم، في أن يرفض هادي السفر إلى أوروبا؟

في الحقيقة الأمر ليس تفضيل، ولكن المصداقية في طبيعة موضوع الفيلم، أعتقد أن هادي لم يكن بإمكانه في النهاية أن يغادر تونس، ولا يستطيع الخروج من عالمه الداخلي الذي كان يهزمه ويسحبه كالمغناطيس نحو البقاء في تونس، لم تمُثّل الإغراءات ولا الأحلام التي حامت حوله الكثير من الآمال ولم تستطع أن تُعبّد طريقه نحو الهجرة، بينما كان يعلوا داخله صوت آخر “الهجرة تمثل الهروب”.
هو لم يكن يبحث عن الهروب، بل عن حياة أفضل، ولكنه انهزم أمام دموعه التي كانت أقوى، وقد اقتنعت بالنهاية التي قدّمها سيناريو الفيلم، أجدها في كثير من نفسيات الشباب التونسي اليوم ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 35 سنة.
هل جاءت شخصية هادي، لتلامس أحلام الشباب العربي قبل الثورة وبعدها؟

بالنسبة للفيلم قد تبدو القصة، حكاية حب عادية، بين هادي و حبيبته المغتربة التي كان سيسافر معها، ولكن عندما نتأمل في الفيلم والمدة الزمنية لتلك العلاقة، نجدها علاقة عابرة، فهذه العلاقة لم تدم سوى بضعة أيام، لم تتأسّس لها بعد ملامح العشق الحقيقي ولكنها كانت كافية لتفسر نفسية هادي، وكل شاب تونسي وجد نفسه بعد الثورة محاصرا بـ”الأحلام الوردية”، ولو ركزنا أكثر في شخصية هادي سنقرأ الأربعة سنوات من تاريخ ما بعد الثورة التونسية، فهادي كانت له الإرادة في اختيار مصيره، حتى ولو تعارض ذلك مع أحلامه، فهو رفض الزواج بطريقة تقليدية كما كانت تريد أمه، ورفض أوامر أخيه، ولما تيقن بأنه لم يعد قادر على رتابة الحياة التي كرسّتها مهنته كمندوب مبيعات، كان يجد داخله رسام وفنان يتمتع بموهبة كبيرة، في مقابل ذلك لم يكن خيار الهجرة والسفر إلى بلد لا يعرفها، “إيطاليا”، ولم يزرها من قبل وقرار الاستقرار في أوروبا، حلم حقيقي يشبه أحلام الشاب العربي، لكنه في المقابل لم يكن أمرا سهلا بالنسبة لهادي،”السفر و الهجرة”، هما مرحلة تحتاج إلى مشاعر”ثوري”، لهذا قرر البقاء، كان يسكنه رجل أكثر وعي يدرك استحالة البقاء في أوروبا دون صعوبات و مشاكل، لهذا قرر أن يواجه علاقته مع أمه وعلاقته مع عمله ومع وطنه و علاقته بالجسد، قرر أن يبقى ليتغير مدى الحياة، ويواصل المعركة الحقيقة ولا يستسلم للهروب، معركة التحرر و الحياة داخل الوطن و ليس بالهروب نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

هذا الفيلم أخذ جائزة هامة، في مهرجان برلين ماذا أضافت لك التتويجات؟

شخصيا و قبل الحديث عن السينما العربية، فمع الاهتمام الذي حظيت به مع الفيلم في مهرجان برلين والجائزة التي حُزت عليها في مهرجان برلين، أصبحت أصدق أنني ممثل، لأن فكرة التمثيل لم تكن جادة بالنسبة لي من قبل، أحب التمثيل ولكن دائما باحتشام، لم أكن مقتنع بأنني ممثل، كنت أسأل نفسي دائما: “هل أريد فعلا دخول هذا العالم؟”، هل أملك المقومات والموهبة أم أنني سأضيع في متاهة الانتظار؟”، كل تلك الأسئلة كانت تحدي، يقال لي بأنني ممثل جيد و لكن شيء ما بداخلي كان يحمل الخوف، طبعا الجائزة تزيد من حجم الثقة خصوصا عندما استلمتها من لجنة تحكيم ترأسها النجمة العالمية ميريل ستريب في مهرجان عالمي، وهذا الاعتراف بأن أدائي جيد في الفيلم، زاد من حجم الثقة و دعم علاقتي بالسينما، وأصبحت أقول في داخلي “ربما لي مكان في مجال التمثيل”.
إلى أي مدى يجب أن تلتفت السينما العربية اليوم إلى هذه النوعية من الأفلام؟

بالنسبة للسينما التونسية و العربية، فالأمر صعب جدا بالنسبة لفيلم كتبه شخص واحد ومثلّ فيه بضعة أشخاص، و كل الحكاية تدور في حقل أيام معدودة وبمشاركة عدد محدود من التقنيين والممثلين، صعب جدا أن نقول أن عمل من إنجاز أقل من خمسين شخص يمثل السينما التونسية والعربية، ولكن ما يهم في هذه التجربة أنها تحكي واقع عربي، أعتقد أن فيلم هادي بالإضافة إلى عدة أفلام تونسية لمخرجين شباب كفيلم “على حلة عيني” لليلى بوزيد و فيلم” آخر واحد فينا”، يمكنهم أن يصنعوا الفرق، فعدة تجارب سينمائية تونسية جديدة توقع لها حضور مميز في المهرجانات العربية والعالمية، يمكن القول أننا فعلا في تونس أمام موجة جديدة و نفس جديد للسينما التونسية، لا يمكن وصف المرحلة بحركة كبيرة للسينما التونسية ونقلة نوعية ولكن موجة مختلفة، لأن كل واحد يعمل بشكل منفرد، لا يمكن الحديث عن حركة سينمائية تونسية متكاملة إلا عندما يكون التقاء بين المخرجين والسينمائيين واتفاق حول مبادئ عامة للسينما الجديدة من صناعة مشروع متكامل، هذا أمر غير موجود في تونس اليوم.

هل فتحت لك الجائزة عروض للتمثيل في أعمال عالمية؟

أوروبيا “لا” ،أما في تونس لدي عدة عروض من مخرجين مهمين وخصوصا بعد حصولي على الجائزة شعرت بأنني مطلوب أكثر، و لكن بالنسبة للسينما الأوروبية أعتقد أن الأمر مختلف وصعب، لأن الأمر يتعلق بممثل عربي و هناك حسابات وصعوبات لا يمكن الوصول إلى السينما الأوروبية بسهولة، ولكن نحاول من خلال توزيع الفيلم في قاعات العرض خصوصا في فرنسا أن نجد أبواب يمكننا من خلالها دخول السينما الأوروبية، حيث سيتم عرض الفيلم في قاعات السينما الفرنسية ابتداء من 21 ديسمبر 2016 في قاعات السينما الفرنسية، وهذا قد يفتح لي أبواب مشاريع جديدة بلا شك.

(الجزيرة الوثائقية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى