جدل في فرنسا حول جمع المسارح الوطنية في مكان واحد

نبيل مسعد
يحتل مسرح أوديون الفرنسي الوطني قاعتين منفصلتين في باريس، واحدة في قلب العاصمة وهي مقره الرسمي، والثانية على الحدود بين باريس وضواحيها الغربية، وهي القاعة الحاملة اسم «أتيلييه برتييه» (مشاغل برتييه) والتي تتوسط مساحة ضخمة فارغة من كل شيء إلا من عدد من المخازن الفارغة كانت تفيد في الماضي لتخزين الديكورات الثقيلة ومئات القطع من الملابس المستخدمة في الأعمال التي تقدمها دار أوبرا باريس المالكة للمساحة إياها بأكملها. وعندما افتتحت دار أوبرا باريسية ثانية عام ١٩٨٩ إضافة إلى الرسمية التي تتوسط ساحة الأوبرا تحديداً، قررت الإدارة نقل كل ما كان موجوداً في مخازن برتييه إلى الدار الجديدة المزودة بآلاف الأمتار المربعة الفارغة المجاورة لقاعتها الهائلة.
وهكذا ظلت المخازن المعنية فارغة لا تفيد بشيء، إلى حين اتخاذ وزارة الثقافة الفرنسية أخيراً، وبموافقة رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، القرار بهدم المخازن وبناء قاعات كبيرة مكانها مجهزة بأحدث الوسائل التقنية والمقاعد المريحة، من أجل أن تحتلها فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الوطنية، إضافة إلى مقرها الرئيس الهائل في قلب باريس، بينما ستتخلص من قاعتيها الصغيرتين، ومن ثم دار الأوبرا إضافة إلى مسرح أوديون الموجود هناك أساساً بقاعته الثانية المذكورة سلفاً، كما أن كونسرفتوار الفنون المسرحية سيترك مبناه الباريسي العتيق في الدائرة التاسعة ليستوطن في «برتييه» حيث ستخصص له قاعات مناسبة لإقامة المحاضرات وتقديم الأعمال المسرحية الاستعراضية من بطولة تلاميذه، في إطار حديث ومناسب كما يحصل في نيويورك ولندن على سبيل المثل.
وغير ذلك ستخصص مساحة ضخمة بدورها للمعارض الفنية الدورية، لجذب الجمهور العريض إلى هذا المكان والسماح له بالاختلاط بتلاميذ كونسرفتوار الفنون المسرحية، ما يضفي حياة زاخرة بالحركة في قلب المساحة إياها.
وستبدأ الأشغال الخاصة بتحويل المشروع إلى واقع مطلع العام ٢٠١٧، على أن تستغرق حوالى سنتين، ما سبب فرحة المسؤولين عن إدارة كل من دار الأوبرا ومسرح أوديون وفرقة «لا كوميدي فرانسيز» وكونسرفتوار الفنون المسرحية، دافعاً إياهم إلى إقامة سهرة خاصة في حضور وزيرة الثقافة الفرنسية أودري أزولاي احتفالاً بالحدث.
مركز أوحد
وإذا كانت السعادة غمرت قلوب أصحاب السلطة في المسارح الوطنية المعنية، فقد اختلف الأمر كلياً لدى القطاع المسرحي الخاص الذي باشر تنظيم تظاهرات احتجاجية ضد فكرة جمع المسارح الوطنية في مساحة واحدة قد تصبح في المستقبل بمثابة المركز الثقافي والفني الأوحد في باريس. وينادي القطاع الخاص منذ سنوات بالحصول على مساعدات حكومية قد تسمح له بإدخال عنصر الديموقراطية إلى المسرح من طريق تخفيض أسعار البطاقات. ولم ترد الأجهزة الرسمية حتى الآن بأي شكل من الأشكال على طلبات القطاع المسرحي الخاص، معتبرة إياه مثلما قيل في بعض الدوائر الفنية، ينفق المبالغ غير المنطقية من أجل الحصول على نجوم سينمائيين مرموقين لتولي بطولة مسرحياته.
وتبقى المشكلة الأساس، الفرق المسرحية الصغيرة المجردة من الإمكانات والتي قد تحتاج إلى من يدعمها، ولو من طريق السماح لها بالتدريب على عروضها في أماكن قد توضع تحت تصرفها لقاء أجر زهيد.
(الحياة)