مؤسسة الفكر العربي تصدر “الكونفوشيوسيّة والقانونيّة” لشيون تسي

خاص (الجسرة)
بريهان الترك
استخلص الفيلسوف والمعلّم الصيني شيون كوانغ المعروف باسم شيون تسي، في كتابه الصادر مؤخرا تحت “شيون تسيبين الكونفوشيوسيّة والقانونيّة”جواهر المدارس الفكرية المتعدّدة في تاريخ الصين القديم، كالمدرسة الكونفوشيوسية والمدرسة التاوية والمدرسة الموهية، والمدرسة الشرعية، واستوعب جواهر العلوم المتنوّعة، كعلم الطبيعة وعلم السياسة وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد والفلسفة والأدب، حتى استحقّ أن يكون هذا المؤلَّف سِفراً جامعاً لبانوراما الحال الفكرية والثقافية في أواخر عصر الدول المتحاربة في الصين.
الكتاب الصادر مؤسّسة الفكر العربيّ في إطار سلسلة “حضارة واحدة” التي تُصدرها المؤسّسة، وتُعنى بترجمة أمّهات الكتب من الحضارات والثقافات الأخرى، ولاسيّما الآسيويّة منها إلى اللّغة العربية ينتقد نظريّة منشيوس التي تقول “إن الإنسان خيّر بطبعه”، موضحا مفهومه الاجتماعي المتعلق بالطبع الشرير للإنسان؛ وإن نظريّة “الطبع الشرّير للإنسان”، وهي أشهر نظريّة بين نظريات “شيون تسي” الفكريّة، هي أيضاً حَجَر الزاوية في أطروحاته السياسية.
قام بتعريب الكتاب عن الصينية مباشرة البروفسور وانغ يويونغ، أستاذ اللّغة العربيّة وآدابها في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية في الصين، وقامت بمراجعته البروفسورة تشي مينغمين، أستاذة اللّغة العربية وآدابها في جامعة الدراسات الأجنبية في العاصمة الصينية بكين. وهي المرّة الأولى التي يُترجم فيها الكتاب إلى العربيّة، بعدما تُرْجِمَ إلى ثلاث لغات أجنبية هي الإنجليزية واليابانية والألمانية.
يؤكّد “شيون تسي” في كتابه على التعليم والتأثير البيئيّ، داعياً إلى البحث عن المعلّمين الفاضلين واختيار الأصحاب النُجباء المميَّزين من جهة، ومُتقصّياً الأدوار التي تقوم بها السياسات في إطار “توكيل الملك بالسلطة، وتبيين الأدب والمروءة لتهذيبه، وتفعيل القوانين والأحكام لتنظيمه، وتشديد الجنايات والعقوبات لتقييده” من جهة ثانية.
أما في المسائل المتعلّقة بنظرية السياسة، فيتحدّث “شيون تسي” عن المُثل العليا لسلطة الدولة المركزيّة، وذلك حتى يصبح كلّ ما في العالم موحّداً، أو من ضمن أسرة واحدة. وركّز على تمجيد الآداب وتشديد القوانين وتقدير الفاضلين وتنصيب القادرين ومكافأة المناقب ومعاقبة الجرائم. واعتقد أن الأساس لتنظيم الدولة هو نظام الدرجات المتمثّل في أنّ بين النبلاء والدهماء درجات، وبين الكبار والصغار فوارق، ولكلّ من الفقراء والأغنياء أو الضؤلاء والعظماء مبادئ لائقة بهم، والسبيل إلى إغناء الدولة هو تأسيس الزراعة والاهتمام بها، وتوسيع المنابع، مع تقليص المصاريف، وتيسير الشعب مع توفير التكاليف.
وفي المسائل المتعلّقة بنظرية المعرفة، يعتبر “شيون تسي” أنّ القدرة على معرفة الأشياء هي في الغالب من طبع الإنسان؛ والقابلية للمعرفة هي سُنّةُ الأشياء. ورأى أنّ للإنسان قُدرة على معرفة الأشياء الواقعية، وللأشياء الواقعية قابلية للمعرفة، غير أنّه يرتكب الأخطاء دائماً، فهو مُعتاد على النظر إليها من طرفٍ واحد ويُغَشَّى بجزئيّة واحدة، حتى يكون جاهلاً عن كليّة كاملة؛ فلا بدّ له من أن يصل إلى درجة التفريغ والتركيز والتهدِئة، لكي يعرف سنن الطبيعة ومبادئ الحكم معرفة صحيحة، حتى يُسمّى بأعظم عاقل بيِّن.
ويؤكد المؤلف أنّ الإنسان في معرفته لا يكتفي إلى حدٍّ بعيد بالفهم، بل يعتبر “التنفيذ” غاية ونهاية للمعرفة، حيث قال إنّ ما فهمه، ليس خيراً مما نفَّذه، ودراسته تبلغ غايتها إذا وُضعتْ موْضعَ التنفيذ. وهذه الوحدة بين المعرفة والتنفيذ لها مغازٍ عميقة في تاريخ الفلسفة الصينية.
يجدر بالذكر أن المؤلف شيون تسي من خلال كتابه يتميز أسلوبه بالقوّة والرصانة، ويُعتَبر من أفضل كتَّاب النثر في تاريخ الصين. أما مؤسّسة الفكر العربي، فهي مؤسّسة دولية مستقلّة غير ربحيّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة أو بالتوجّهات الحزبيّة أو الطائفيّة، وهي مبادرة تضامنيّة بين الفكر والمال لتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها وأخلاقها بنهج الحريّة المسؤولة، وهي تُعنى بمختلف مجالات المعرفة وتسعى لتوحيد الجهود الفكرية والثقافية وتضامن الأمّة والنهوض بها والحفاظ على هويّتها